والسلام ـ في درجة محمد ـ عليهالسلام (١) ـ ثم بين الله تعالى عقوبتهم فقال : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً).
قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً) العامة على النصب على أنّ «كان» ناقصة واسمها ضمير الأخذ لدلالة السّياق عليها و «صيحة» خبرها. وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ القارىء (٢) برفعها (٣) على أنها التامة أي إن وقع وحدث وكان ينبغي أن لا يلحق تاء التأنيث للفصل «بإلا» بل الواجب في غير ندور واضطرار حذف التاء (٤) نحو : ما قام إلّا هند (٥). وقد شذ الحسن وجماعة فقرأوا : لا ترى إلا مساكنهم (٦) [الأحقاف : ٢٥] كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقوله :
٤١٧٥ ـ .......... |
|
وما بقيت إلّا الضّلوع الجراشع (٧) |
وقوله :
٤١٧٦ ـ ما برئت من ريبة وذمّ |
|
في حربنا إلّا بنات العمّ (٨) |
قال الزمخشري : أصله إن كان (٩) شيء إلا صيحة فكان الأصل أن يذكر لكنه تعالى أنّث لما بعده من المفسر وهو الصيحة وقوله : «واحدة» تأكيد لكون الأمر هيّنا (١٠) عنده وقوله : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان من الصيحة في وقتها لم يتأخر ووصفهم بالخمود في غاية الحسن لأن الحي فيه الحرارة الغريزية وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية (١١) أتم وهم كانوا كذلك أما الغضب
__________________
(١) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ٦١ و ٦٢.
(٢) هو معاذ بن الحارث ويقال أبو حليمة الأنصاري المدني المعروف بالقارىء روى عن نافع وابن سيرين وحدّث عن نافع مولى ابن عمر توفي سنة ٦٣ ه. انظر : غاية النهاية ٢ / ٣٠١ و ٣٠٢.
(٣) ذكرها في المحتسب ٢ / ٢٠٦ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٥ ومختصر ابن خالويه ١٢٥ وهي من القراءات العشر المتواترة انظر النشر ٢ / ٣٥٣ والإتحاف ٣٦٤.
(٤) حيث إنّ من وجوب تأنيث الفعل أن لا يفصل بينه وبين الفاعل أو نائبه بفاصل.
(٥) المحتسب ٢ / ٢٠٧.
(٦) وهي قراءة مالك بن دينار وأبي رجاء والجحدريّ وغيرهم. وهي من الشواذ من الأربعة فوق العشرة وستأتي بالتفصيل. انظر : البحر ٧ / ٣٣٢ والإتحاف ٣٩٢.
(٧) عجز بيت من الطويل لذي الرمة صدره : طوى النحز والأجواز ما في غروضها. والنحز : ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير. والأجواز : الأمحال. والغروض حزام الرمل. والجراشع المنتفخ الجنبين. وشاهده : فصل ما بين الفعل والفاء ب «إلّا» المانعة من التأنيث. وإذا كان هذا لم تجىء التاء إلا في الشّعر كما رأينا في «بقيت».
(٨) رجز مجهول القائل يصف قومه بالمنعة وحماية الأعراض. والشاهد : تأنيث الفعل مع طول الفصل بإلّا. والأكثر التذكير وضرورة الشعر تبيح ذلك. وانظر : البحر ٧ / ٣٣٢ والتصريح ١ / ٢٧٩ والهمع ٢ / ١٧١ والأشموني ٢ / ٥٢ والدر المصون ٤ / ٥٠٧.
(٩) الكشاف ٣ / ٣٢٠.
(١٠ و ١١) قالهما الفخر الرازي في تفسيره الكبير ٢٦ / ٦٢.