قوله : (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) [يس : ٢٣] أي إن يمسسني الله بضرّ أي بسوء ومكروه لا تغن شفاعتهم شيئا أي لا شفاعة لها فتغني (وَلا يُنْقِذُونِ) من ذلك المكروه أو لا ينقذون من العذاب لو عذبني الله إن فعلت ذلك. قوله تعالى : (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي خطأ ظاهر إن فعلت ذلك فأنا ضالّ ضلالا بينا. و «المبين» مفعل بمعنى «فعيل» وعكسه «فعيل» بمعنى مفعل في قوله «أليم» بمعنى مؤلم.
قوله : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) فيه وجوه :
أحدها : أنه خاطب المرسلين. قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو للمرسلين وقال : إنّي آمنت بربّكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي.
والثاني : هم الكفار لمّا نصحهم وما نفعهم قال آمنت فاسمعون.
الثالث : بربكم أيها السامعون فاسمعوني على العموم كقول الواعظ : يا مسكين ما أكثر أملك (وما أترر (١) عملك) يريد كل سامع يسمعه وفي قوله «فاسمعون» فوائد منها : أنه كلام متفكر حيث قال : اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر ، ومنها أن ينبه القوم ويقول : إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا يقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك.
فإن قيل : قال من قبل : ما لي لا أعبد الّذي فطرني ، وقال ههنا : آمنت بربكم ولم يقل : آمنت بربي!؟ فالجواب : إن قلنا : الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر لأنه لما قال : آمنت بربّكم ظهر عند الرسل (٢) أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال «بربّكم». وإن قلنا : الخطاب مع الكفار ففيه (وجوه) (٣) بيان للتوحيد لأنه لما قال : (أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ثم قال : (آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) فهم أنه يقول : ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال : آمنت بربي فيقول الكافر : وأنا أيضا آمنت بربي (٤).
قوله : «فاسمعون» العامة على كسر النون وهي نون الوقاية حذفت بعدها ياء الإضافة (٥) مجتزءا عنها بكسرة النون وهي اللغة الغالبة. وقرأ عصمة (٦) عن عاصم
__________________
(١) زيادة من الفخر الرازي.
(٢) في (ب) الرجل. تحريف.
(٣) زيادة من «ب» عن «أ» والفخر الرازي.
(٤) وانظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٦ / ٥٩ و ٦٠.
(٥) حيث كان الأصل : «اسمعوني» بالنون والياء ولكنه حذف الياء واكتفى عنها بالنون مشيا على الفاصلة كقول الله تعالى :«وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى».
(٦) هو عصمة بن عروة أبو نجيح البصري روى القراءة عن أبي عمرو وعاصم بن أبي النجود. وروى عنه الحروف يعقوب الحضرميّ وغيره. انظر : غاية النهاية ١ / ٥١٢.