(قوله) (١) : «أفترى» هذه همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل فلذلك ثبتت همزة الهمزة وصلا وابتداء. قال البغوي : هذه ألف (٢) استفهام دخلت على ألف (٣) الوصل فلذلك نصب(٤)(عَلَى اللهِ كَذِباً) وبهذه الآية استدل الجاحظ (٥) على أن الكلام ثلاثة أقسام صدق وكذب ولا صدق ولا كذب ووجه الدلالة عنه على القسم.
الثالث : أن قوله «به جنّة» لا جائز أن يكون كذبا لأنه قسيم الكذب وقسيم الشيء غيره ولا جائز أن يكون صدقا لأنهم لم يعتقدوه فثبت قسم ثالث (٦). وأجيب عنه بأنّ المعنى : أم لم يفتر ، ولكن عبر عن هذا بقولهم : «أم به جنّة» ؛ لأن المجنون لا افتراء له (٧) ، والظاهر في «أم» هذه أنها متصلة لأنها تقدر بأيّ الشّيئين ويجاب بأحدهما لأنه قيل : أي الشيئين واقع افتراؤه الكذب أم كونه مجنونا ولا يضر كونها بعدها جملة لأن الجملة بتأويل المفرد كقوله :
٤١١٢ ـ لا أبالي أنبّ بالحزن تيس |
|
أم جفاني بظهر غيب اللّئيم (٨) |
ومثل قول الآخر :
٤١١٣ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا |
|
شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (٩) |
لأن «منقر» خبر لا نعت كذا أنشده بعضهم مستشهدا على أنها جملة وفيه حذف التنوين بما قبل «ابن» وليس بصفة ، وهذا إشارة إلى البحث المتقدم في سورة التوبة (١٠).
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) في «ب» همزة بدل ألف.
(٣) في «ب» نصبت بالتاء.
(٤) معالم التنزيل ٥ / ٢٨٢ وانظر المرجعين السابقين.
(٥) هو أبو عمرو بن بحر الجاحظ إمام أهل البيان والبلاغة له من المصنفات البيان والتبيين ، الحيوان ، وغير ذلك توفي سنة ٢٥٥ ، انظر : معجم الأدباء ١٦ / ١٠٩.
(٦) الدر المصون ٤ / ٤١٤ وإيضاح القزويني ١٣.
(٧) السابقان.
(٨) من الخفيف وهو لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ ويروي : ما أبالي بدل من لا أبالي الرواية العليا هنا ، والحزن الأرض الغليظة ، والتيس : ذكر الماعز و «جفاني» يروى بدل منه «لحاني» أي شتمني ولامني يريد أن يبين أن نبيب التيس وتصويته وشتم اللئيم عنده سواء. وشاهده : «أم جفاني» ؛ حيث إن «أم» معادلة لهمزة الاستفهام والجملة بعدها في تأويل المفرد ، كما أخبر فوق أي لا أبالي أيّ الفعلين كان. وانظر : الكتاب ٣ / ١٨١ وابن الناظم ٢٠٦ والمقتضب ٣ / ٢٩٨ وديوانه ٨٩.
(٩) هو من الطويل وهو للأسود بن يعفر ، وينسب أيضا للعين المنقريّ ، وأوس بن حجر. والشاهد فيه كسابقه حيث وقعت «أم» معادلة للهمزة الاستفهامية المحذوفة لدلالة «أم» عليها بتقدير : أشعيث بعضهم أم .. ولا يخفى أن «أم» هنا متصلة كالسابقة ولكنها في تلك المرة وقعت بين جملتين اسميتين وكانت الأولى قد وقعت بين فعليتين وقد تقدم.
(١٠) يقصد قول الله : «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ» وهي الآية ٣٠ حيث قرأ الكسائي وعاصم بتنوين : «عزير» والباقي بلا تنوين وخرجت على أن التنوين حذف لالتقاء الساكنين ولوقوع ابن صفة له وهكذا التنظير بالآية.