النقصان ، فشبه ذلك الضبط بضبط الكاتب ما يريد إبلاغه بدون تغيير.
وأوثر القسم بالقلم والكتابة للإيماء إلى أن باعث الطاعنين على الرسولصلىاللهعليهوسلم واللّامزين له بالمجنون ، إنما هو ما أتاهم به من الكتاب.
والمقسم عليه نفي أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم مجنونا والخطاب له بهذا تسلية له لئلا يحزنه قول المشركين لمّا دعاهم إلى الإسلام : هو مجنون ، وذلك ما شافهوا به النبي صلىاللهعليهوسلم وحكاه الله عنهم في آخر السورة [القلم : ٥١] (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ). وهكذا كل ما ورد فيه نفي صفة الجنون عنه فإنما هو رد على أقوال المشركين كقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير : ٢٢]. وقد زل فيه صاحب «الكشاف» زلة لا تليق بعلمه.
والمقصود من نفي الجنون عنه إثبات ما قصد المشركون نفيه وهو أن يكون رسولا من الله لأنهم لما نفوا عنه صفة الرسالة وضعوا موضعها صفة الجنون ، فإذا نفي ما زعموه فقد ثبت ما ادعاه.
وقد أجيب قولهم وتأكيدهم ذلك بحرف (إن) ولام الابتداء إذ قالوا (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [القلم : ٥١] بمؤكدات أقوى مما في كلامهم إذ أقسم عليه وجيء بعد النفي بالباء التي تزاد بعد النفي لتأكيده ، وبالجملة الاسمية منفية لدلالة الجملة الاسمية على ثبات الخبر ، أي تحققه فهذه ثلاثة مؤكدات.
وقوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) جعله في «الكشاف» حالا من الضمير الذي في مجنون المنفي. والتقدير : انتفى وصف المجنون بنعمة ربك عليك ، والباء للملابسة أو السببية ، أي بسبب إنعام الله إذ برأك من النقائص. والذي أرى أن تكون جملة معترضة وأن الباء متعلقة بمحذوف يدل عليه المقام وتقديره : أن ذلك بنعمة ربك ، على نحو ما قيل في تعلق الباء في قوله : (بِسْمِ اللهِ) [هود : ٤١] وهو الذي يقتضيه استعمالهم كقول الحماسي الفضل بن عباس اللهبي :
كل له نية في بغض صاحبه |
|
بنعمة الله نقليكم وتقلونا |
وذهب ابن الحاجب في «أماليه» أن (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) متعلق بما يتضمنه حرف (ما) النافية من معنى الفعل وقدّره : انتفى أن تكون مجنونا بنعمة ربك. ولا يصح تعلقه بقوله : (مجنون) إذ لو علق به لأوهم نفي جنون خاص وهو المجنون الذي يكون من نعمة الله