وجملة (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) في موضع الحال من المبتدأ وهو الإنسان ، وهي حالة أجدر بثبوت معنى عاملها عند حصولها.
(لَوْ) هذه وصليّة كما تقدم عند قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في آل عمران [٩١]. والمعنى : هو بصيرة على نفسه حتى في حال إلقائه معاذيره.
والإلقاء : مراد به الإخبار الصريح على وجه الاستعارة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) في سورة النحل [٨٦].
والمعاذير : اسم جمع معذرة ، وليس جمعا لأن معذرة حقه أن يجمع على معاذر ، ومثل المعاذير قولهم : المناكير ، اسم جمع منكر. وعن الضحاك : أن معاذير هنا جمع معذار بكسر الميم وهو الستر بلغة اليمن يكون الإلقاء مستعملا في المعنى الحقيقي ، أي الإرخاء ، وتكون الاستعارة في المعاذير بتشبيه جحد الذنوب كذبا بإلقاء الستر على الأمر المراد حجبه.
والمعنى : أن الكافر يعلم يومئذ أعماله التي استحق العقاب عليها ويحاول أن يعتذر وهو يعلم أن لا عذر له ولو أفصح عن جميع معاذيره.
و (مَعاذِيرَهُ) : جمع معرف بالإضافة يدل على العموم. فمن هذه المعاذير قولهم : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠] ومنها قولهم : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ) [المائدة : ١٩] وقولهم : (هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف : ٣٨] ونحو ذلك من المعاذير الكاذبة.
[١٦ ـ ١٩] (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩))
هذه الآية وقعت هنا معترضة. وسبب نزولها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلّت منه ، أو من شدة رغبته في حفظه فكان يلاقي من ذلك شدة فأنزل الله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ). قال : جمعه في صدرك ثم تقرأه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه قال فاستمع له وأنصت ، ثم إن علينا أن نبيّنه بلسانك ، أي أن تقرأه» ا ه.