لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فهو متمكن منه الخلق العظيم في نفسه ، ومتمكن منه في دعوته الدينية.
واعلم أن جماع الخلق العظيم الذي هو أعلى الخلق الحسن هو التدين ، ومعرفة الحقائق ، وحلم النفس ، والعدل ، والصبر على المتاعب ، والاعتراف للمحسن ، والتواضع ، والزهد ، والعفة ، والعفو ، والجمود ، والحياء ، والشجاعة ، وحسن الصمت ، والتؤدة ، والوقار ، والرحمة ، وحسن المعاملة والمعاشرة.
والأخلاق كامنة في النفس ومظاهرها تصرفات صاحبها في كلامه ، وطلاقة وجهه ، وثباته ، وحكمه ، وحركته وسكونه ، وطعامه وشرابه ، وتأديب أهله ومن لنظره ، وما يترتب على ذلك من حرمته عند الناس ، وحسن الثناء عليه والسّمعة.
وأما مظاهرها في رسول الله صلىاللهعليهوسلم ففي ذلك كله وفي سياسته أمته ، وفيما خص به من فصاحة كلامه وجوامع كلمه.
[٥ ـ ٦] (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))
الفاء للتفريع على قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] باعتبار ما اقتضاه قوله (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) [القلم : ٢] من إبطال مقالة قيلت في شأنه قالها أعداؤه في الدين ، ابتدأ بإبطال بهتانهم ، وفرع عليه أنهم إذا نظروا الدلائل وتوسموا الشمائل علموا أي الفريقين المفتون أهم مفتونون بالانصراف عن الحق والرشد ، أم هو باختلال العقل كما اختلقوا.
والمقصود هو ما في قوله : (وَيُبْصِرُونَ) ولكن أدمج فيه قوله : (فَسَتُبْصِرُ) ليتأتى بذكر الجانبين إيقاع كلام منصف (أي داع إلى الإنصاف) على طريقة قوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] لأن القرآن يبلغ مسامعهم ويتلى عليهم.
وفعلا (تبصر ويبصرون) ، بمعنى البصر الحسي. وروي عن ابن عباس ، أن معناه فستعلم ويعلمون ، فجعله مثل استعمال فعل الرؤية في معنى الظن ، فلعله أراد تفسير حاصل المعنى إذ قد قيل إن الفعل المشتق من (أبصر) لا يستعمل بمعنى الظن والاعتقاد عند جمهور اللغويين والنحاة خلافا لهشام كذا في «التسهيل» (١) فالمعنى : سترى ويرون رأي العين أيكم المفتون فإن كان بمعنى العلم فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قد رأى ذلك فالسين في قوله : (فَسَتُبْصِرُ) للتأكيد ، وأما المشركون فسيرون ذلك ، أي يعلمون آثار فتونهم وذلك
__________________
(١) هو هشام بن معاوية الكوفي من أصحاب الكسائي توفي سنة ٢٠٩.