للمبالغة.
فيجوز أن يكون جعل الأصابع في الآذان واستغشاء الثياب هنا حقيقة بأن يكون ذلك من عادات قوم نوح إذا أراد أحد أن يظهر كراهية لكلام من يتكلم معه أن يجعل إصبعيه في أذنيه ويجعل من ثوبه ساترا لعينيه.
ويجوز أن يكون تمثيلا لحالهم في الإعراض عن قبول كلامه ورؤية مقامه بحال من يسكّ سمعه بأنملتيه ويحجب عينيه بطرف ثوبه.
وجعلت الدعوة معللة بمغفرة الله لهم لأنها دعوة إلى سبب المغفرة وهو الإيمان بالله وحده وطاعة أمره على لسان رسوله.
وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتعجب من خلقهم إذ يعرضون عن الدعوة لما فيه نفعهم فكان مقتضى الرشاد أن يسمعوها ويتدبروها.
والإصرار : تحقيق العزم على فعل ، وهو مشتق من الصّر وهو الشد على شيء والعقد عليه ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) في سورة آل عمران [١٣٥].
وحذف متعلق (أَصَرُّوا) لظهوره ، أي أصروا على ما هم عليه من الشرك.
(وَاسْتَكْبَرُوا) مبالغة في تكبروا ، أي جعلوا أنفسهم أكبر من أن يأتمروا لواحد منهم (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) [هود : ٢٧].
وتأكيد (اسْتَكْبَرُوا) بمفعوله المطلق للدلالة على تمكن الاستكبار. وتنوين (اسْتِكْباراً) للتعظيم ، أي استكبارا شديدا لا يفله حدّ الدعوة.
[٨ ـ ١٢] (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢))
ارتقى في شكواه واعتذاره بأنّ دعوته كانت مختلفة الحالات في القول من جهر وإسرار ، فعطف الكلام ب (ثُمَ) التي تفيد في عطفها الجمل أن مضمون الجملة المعطوفة أهم من مضمون المعطوف عليها ، لأن اختلاف كيفية الدعوة ألصق بالدعوة من أوقات