والإشارة إلى ما يكون حاضرا لديهم من ألوان النعيم الموصوف فيما مضى من الآيات.
والمقصود من ذلك الثناء عليهم بما أسلفوا من تقوى الله وتكرمتهم بذلك وتنشيط أنفسهم بأن ما أنعم به عليهم هو حق لهم جزاء على عملهم.
وإقحام فعل (كانَ) للدلالة على تحقيق كونه جزاء لا منّا عليهم بما لم يستحقوا ، فإن من تمام الإكرام عند الكرام أن يتبعوا كرامتهم بقول ينشط له المكرم ويزيل عنه ما يعرض من خجل ونحوه ، أي هو جزاء حقا لا مبالغة في ذلك.
وعطف على ذلك قوله : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) علاوة على إيناسهم بأن ما أغدق عليهم كان جزاء لهم على ما فعلوا بأن سعيهم الذي كان النعيم جزاء عليه ، هو سعي مشكور ، أي مشكور ساعيه ، فأسند المشكور إلى السعي على طريقة المجاز العقلي مثل قولهم : سيل مفعم.
ولك أن تجعل (مَشْكُوراً) مفعولا حقيقة عقلية لكن على طريقة الحذف والإيصال ، أي مشكورا عليه.
وإقحام فعل (كانَ) كإقحام نظيره آنفا.
[٢٣ ـ ٢٤] (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤))
من هنا يبتدئ ما لا خلاف في أنه مكي من هذه السورة.
وعلى كلا القولين فهذا استئناف ابتدائي ، ويجيء على قول الجمهور أن السورة كلها مكية وهو الأرجح ، أنه استئناف للانتقال من الاستدلال على ثبوت البعث بالحجّة والترهيب والوعيد للكافرين به والترغيب والوعد للمؤمنين به بمرهبات ومرغّبات هي من الأحوال التي تكون بعد البعث ، فلمّا استوفى ذلك ثني عنان الكلام إلى تثبيت الرسولصلىاللهعليهوسلم والربط على قلبه لدفاع أن تلحقه آثار الغمّ على تصلب قومه في كفرهم وتكذيبهم بما أنزل عليه مما شأنه أن يوهن العزيمة البشرية ، فذكّره الله بأنه نزل عليه الكتاب لئلا يعبأ بتكذيبهم.
وفي إيراد هذا بعد طول الكلام في أحوال الآخرة ، قضاء لحق الاعتناء بأحوال