فالقرآن تذكرة للمتقين في الماضي والحال والمستقبل ، فإن الإخبار عنه باسم المصدر يتحمل الأزمنة الثلاثة إذ المصدر لا إشعار له بوقت بخلاف الفعل وما أشبهه.
وإنما علق (لِلْمُتَّقِينَ) بكونه (تذكرة) لأن المتقين هم الذين أدركوا مزيته.
[٤٩ ـ ٥٠] (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠))
هاتان جملتان مرتبطتان ، وأولاهما تمهيد وتوطئة للثانية ، وهي معترضة بين التي قبلها والتي بعدها ، والثانية منهما معطوفة على جملة (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [الحاقة : ٤٨] ، فكان تقديم الجملة الأولى على الثانية اهتماما بتنبيه المكذبين إلى حالهم وكانت أيضا بمنزلة التتميم لجملة (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [الحاقة : ٤٨].
والمعنى : إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه ، وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادته عليكم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢] ، فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تضر بالكافرين على طريقة التضاد ، فبين الجملتين المتعاطفتين محسّن الطباق.
والحسرة : الندم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه ، ويقال لها : التلهف ، اشتقت من الحسر وهو الكشف لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه ولا يزال يعاوده ، فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسرة عليهم في الدنيا والآخرة ، فهو حسرة عليهم في الدنيا لأنه فضح ترّهاتهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم ، وهو حسرة عليهم في الآخرة لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم ، ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدّقوا به.
والمكذبون : هم الكافرون. وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذ والذين سيكفرون به من بعد.
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١))
عطف على (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) [الحاقة : ٥٠] فيحتمل أن يكون الضمير عائدا على القرآن لأن هذه من صفات القرآن ، ويحتمل أن يكون مرادا به المذكور وهو كون القرآن حسرة على الكافرين ، أي إن ذلك حق لا محالة أي هو جالب لحسرتهم في الدنيا