أطلع من عباده على بعضها.
والكلام هنا على حذف مضاف ، أي أعندهم علم الغيب كما قال تعالى : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) في سورة النجم [٣٥].
فالمراد بقوله (عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أنه حصل في علمهم ومكنتهم ، أي باطلاع جميعهم عليه أو بإبلاغ كبرائهم إليهم وتلقيهم ذلك منهم.
وتقديم (عِنْدَهُمُ) على المبتدأ وهو معرفة لإفادة الاختصاص ، أي صار علم الغيب عندهم لا عند الله.
ومعنى (يَكْتُبُونَ) : يفرضون ويعينون كقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨] وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] ، أي فهم يفرضون لأنفسهم أن السعادة في النفور من دعوة الإسلام ويفرضون ذلك على الدهماء من أتباعهم.
ومجيء جملة (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) متفرعة عن جملة (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) ، بناء على أن ما في الغيب مفروض كونه شاهدا على حكمهم لأنفسهم المشار إليه بقوله : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم : ٣٦] كما علمته آنفا.
[٤٨ ـ ٥٠] (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠))
تفريع على ما تقدم من إبطال مزاعم المشركين ومطاعنهم في القرآن والرسولصلىاللهعليهوسلم ، وما تبعه من تكفل الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم بعاقبة النصر ، وذلك أن شدته على نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ، من شأنها أن تدخل عليه يأسا من حصول رغبته ونجاح سعيه ، ففرع عليه تثبيته وحثه على المصابرة واستمراره على الهدي ، وتعريفه بأن ذلك التثبيت يرفع درجته في مقام الرسالة ليكون من أولي العزم ، فذكّره بمثل يونس عليهالسلام إذ استعجل عن أمر ربّه ، فأدبه الله ثم اجتباه وتاب عليه وجعله من الصالحين تذكيرا مرادا به التحذير.
والمراد بحكم الربّ هنا أمره وهو ما حمله إياه من الإرسال والاضطلاع بأعباء الدعوة. وهذا الحكم هو المستقرأ من آيات الأمر بالدعوة التي أولها (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ) إلى قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) [المدثر : ١ ـ ٧] فهذا هو الصبر المأمور به في هذه الآية أيضا. ولا جرم أن الصبر لذلك يستدعي انتظار الوعد بالنصر وعدم الضجر من تأخره إلى