أن يقول في القرآن (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وقد علمت ذلك عند تفسير قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم : ١٠]. وكان الوليد بن المغيرة ذا سعة في المال كثير الأبناء وهو المعنيّ بقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً) إلى قوله : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر : ١١ ـ ٢٥]. والوجه أن لا يختص هذا الوصف به. وأن يكون تعريضا به.
والأساطير : جمع أسطورة وهي القصة ، والأسطورة كلمة معربة عن الرومية كما تقدم عند قوله تعالى : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في الأنعام [٢٥] وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في سورة النحل [٢٤].
وختمت الأوصاف المحذر عن إطاعة أصحابها بوصف التكذيب ليرجع إلى صفة التكذيب التي انتقل الأسلوب منها من قوله : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [القلم : ٨].
وقرأ الجمهور (أَنْ كانَ ذا مالٍ) بهمزة واحدة على أنه خبر. وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بهمزتين مخففتين فهو استفهام إنكاري. وقرأه ابن عامر بهمزة ومدّة بجعل الهمزة الثانية ألفا للتخفيف.
(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦))
استئناف بياني جوابا لسؤال ينشأ عن الصفات الذميمة التي وصفوا بها أن يسأل السامع : ما جزاء أصحاب هذه الأوصاف من الله على ما أتوه من القبائح والاجتراء على ربّهم.
وضمير المفرد الغائب في قوله : (سَنَسِمُهُ) عائد إلى كل حلّاف باعتبار لفظه وإن كان معناه الجماعات فإفراد ضميره كإفراد ما أضيف إليه (كُلَ) [القلم : ١٠] من الصفات التي جاءت بحالة الإفراد.
والمعنى : سنسم كل هؤلاء على الخراطيم ، وقد علمت آنفا أن ذلك تعريض بمعيّن بصفة قوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٥] وبأنه ذو مال وبنين.
و (الْخُرْطُومِ) : أريد به الأنف. والظاهر أن حقيقة الخرطوم الأنف المستطيل كأنف الفيل والخنزير ونحوهما من كل أنف مستطيل. وقد خلط أصحاب اللّغة في ذكر معانيه خلطا لم تتبين منه حقيقته من مجازه.