وليس ذلك بمستقيم ، واستحسن هذا ابن هشام في «مغني اللبيب» في الباب الثالث لو لا أنه مخالف لاتفاق النحاة على عدم صحة تعلق الظرف بالحرف ولم يخالفهم في ذلك إلّا أبو علي وأبو الفتح في خصوص تعلق المجرور والظرف بمعنى الحرف النائب عن فعل مثل حرف النداء في قولك : يا لزيد (يريد في الاستغاثة) ، وتقدم نظيره في قوله : (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) في سورة الطور [٢٩].
ولما ثبّت الله رسوله صلىاللهعليهوسلم فدفع بهتان أعدائه أعقبه بإكرامه بأجر عظيم على ما لقيه من المشركين من أذى بقوله : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) بقرينة وقوعه عقب قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ، مؤكدا ذلك بحرف (إِنَ) وبلام الابتداء وبتقديم المجرور وهو في قوله «لك».
وهذا الأجر هو ثواب الله في الآخرة وعناية الله به ونصره في الدنيا.
و «ممنون» يجوز أن يكون مشتقا من منّ المعطي على المعطى إذا عدّ عليه عطاءه وذكره له ، أو افتخر عليه به فإن ذلك يسوء المعطى ، قال النابغة :
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة |
|
لوالده ليست بذات عقارب |
أي ليس فيها أذى ، والمنّ من الأذى قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤].
وقد انتزع من هذه الآية عبد الله بن الزّبير (بكسر الموحدة) أو غيره في قوله :
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت
قبله :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي
ومراده عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق.
ويجوز أن يكون «ممنون» مشتقا من قولهم : منّ الحبل ، إذا قطعه ، أي أجرا غير مقطوع عنك ، وهو الثواب المتزايد كل يوم ، أو أجرا أبديا في الآخرة ، ولهذا كان لإيثار كلمة «ممنون» هنا من الإيجاز بجمع معنيين بخلاف قوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) في سورة هود [١٠٨] لأن ما هنا تكرمة للرسول صلىاللهعليهوسلم.
وبعد أن آنس نفس رسوله صلىاللهعليهوسلم بالوعد عاد إلى تسفيه قول الأعداء فحقق أنه متلبس