رثاء عثمان بن عفان :
يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
ولفظ (عَلَيْنا) في الموضعين للتكفل والتعهّد.
و (ثُمَ) في (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) للتراخي في الرتبة ، أي التفاوت بين رتبة الجملة المعطوف عليها وهي قوله (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ، وبين رتبة الجملة المعطوفة وهي (إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). ومعنى الجملتين : أن علينا جمع الوحي وأن تقرأه وفوق ذلك أن تبينه للناس بلسانك ، أي نتكفل لك بأن يكون جمعه وقرآنه بلسانك ، أي عن ظهر قلبك لا بكتابة تقرأها بل أن يكون محفوظا في الصدور بيّنا لكل سامع لا يتوقف على مراجعة ولا على إحضار مصحف من قرب أو بعد.
فالبيان هنا بيان ألفاظه وليس بيان معانيه لأن بيان معانيه ملازم لورود ألفاظه.
وقد احتج بهذه الآية بعض علمائنا الذين يرون جواز تأخير البيان عن المبيّن متمسكين بأن (ثُمَ) للتراخي وهو متمسّك ضعيف لأن التراخي الذي أفادته (ثُمَ) إنما هو تراخ في الرتبة لا في الزمن ، ولأن (ثُمَ) قد عطفت مجموع الجملة ولم تعطف لفظ (بَيانَهُ) خاصة ، فلو أريد الاحتجاج بالآية للزم أن يكون تأخير البيان حقا لا يخلو عنه البيان وذلك غير صحيح.
[٢٠ ـ ٢١] (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١))
رجوع إلى مهيع الكلام الذي بنيت عليه السورة كما يرجع المتكلم إلى وصل كلامه بعد أن قطعه عارض أو سائل ، فكلمة (كَلَّا) ردع وإبطال. يجوز أن يكون إبطالا لما سبق من قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) إلى قوله : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [القيامة : ٣ ـ ١٥] ، فأعيد (كَلَّا) تأكيدا لنظيره ووصلا للكلام بإعادة آخر كلمة منه.
والمعنى : أن مزاعمهم باطلة.
وقوله ٩ : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) إضراب إبطالي يفصّل ما أجمله الردع ب (كَلَّا) من إبطال ما قبلها وتكذيبه ، أي لا معاذير لهم في نفس الأمر ولكنهم أحبوا العاجلة ، أي شهوات الدنيا وتركوا الآخرة ، والكلام مشعر بالتوبيخ ومناط التوبيخ هو حب العاجلة مع نبذ الآخرة (فأما لو أحب أحد العاجلة وراعى الآخرة ، أي جرى على الأمر والنهي