وتقديم المجرور في جملة (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) للاهتمام.
ومناسبة ذكر النشور هو ذكر خلق الأرض فإن البعث يكون من الأرض.
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦))
انتقال من الاستدلال إلى التخويف لأنه لما تقرر أنه خالق الأرض ومذللها للناس وتقرر أنهم ما رعوا خالقها حق رعايته فقد استحقوا غضبه وتسليط عقابه بأن يصيّر مشيهم في مناكب الأرض إلى تجلجل في طبقات الأرض. فالجملة معترضة والاستفهام إنكار وتوبيخ وتحذير.
و (مَنْ) اسم موصول وصلته صادق على موجود ذي إدراك كائن في السماء. وظاهر وقوع هذا الموصول عقب جمل (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) إلى قوله : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك : ١٥] أن الإتيان بالموصول من قبيل الإظهار في مقام الإضمار ، وأن مقتضى الظاهر أن يقال أأمنتموه أن يخسف بكم الأرض ؛ فيتأتى أن الإتيان بالموصول لما تأذن به الصلة من عظيم تصرفه في العالم العلوي الذي هو مصدر القوى والعناصر وعجائب الكائنات فيصير قوله : (مَنْ فِي السَّماءِ) في الموضعين من قبيل المتشابه الذي يعطي ظاهره معنى الحلول في مكان وذلك لا يليق بالله ، ويجيء فيه ما في أمثاله من طريقتي التفويض للسلف والتأويل للخلف رحمهمالله أجمعين.
وقد أوّلوه بمعنى : من في السماء عذابه أو قدرته أو سلطانه على نحو تأويل قوله تعالى: (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] وأمثاله ، وخص ذلك بالسماء لأن إثباته لله تعالى ينفيه عن أصنامهم.
ولكن هذا الموصول غير مكين في باب المتشابه لأنه مجمل قابل للتأويل بما يحتمله (مَنْ) أن يكون ما صدقه مخلوقات ذات إدراك مقرها السماء وهي الملائكة فيصح أن تصدق (مَنْ) على طوائف من الملائكة الموكلين بالأمر التكويني في السماء والأرض قال تعالى : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) [الطلاق : ١٢] ، ويصح أن يراد باسم الموصول ملك واحد معيّن وظيفته فعل هذا الخسف ، فقد قيل : إن جبريل هو الملك الموكّل بالعذاب.
وإسناد فعل (يَخْسِفَ) إلى «الملائكة» أو إلى واحد منهم حقيقة لأنه فاعل الخسف قال تعالى حكاية عن الملائكة (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ ... إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ... إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) [العنكبوت : ٣١ ـ ٣٤].