ففعل (قُمْ) منزّل منزلة اللازم ، وتفريع (فَأَنْذِرْ) عليه يبين المراد من الأمر بالقيام.
والمعنى : يا أيها المدثر من الرعب لرؤية ملك الوحي لا تخف وأقبل على الإنذار.
والظاهر : أن هذه الآية أول ما نزل في الأمر بالدعوة لأن سورة العلق لم تتضمن أمرا بالدعوة ، وصدر سورة المزمل تضمن أنه مسبوق بالدعوة لقوله فيه (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ) [المزمل : ١٥] ، وقوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) [المزمل : ١١]. وإنما كان تكذيبهم بعد أن أبلغهم أنه رسول من الله إليهم وابتدئ بالأمر بالإنذار لأن الإنذار يجمع معاني التحذير من فعل شيء لا يليق وعواقبه فالإنذار حقيق بالتقديم قبل الأمر بمحامد الفعال لأن التخلية مقدمة على التحلية ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن غالب أحوال الناس يومئذ محتاجة إلى الإنذار والتحذير.
ومفعول أنذر محذوف لإفادة العموم ، أي أنذر الناس كلهم وهم يومئذ جميع الناس ما عدا خديجة رضياللهعنها فإنها آمنت فهي جديرة بالبشارة.
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣))
انتصب (رَبَّكَ) على المفعولية لفعل (كبّر) قدم على عامله لإفادة الاختصاص ، أي لا تكبر غيره ، وهو قصر إفراد ، أي دون الأصنام.
والواو عطفت جملة (رَبَّكَ فَكَبِّرْ) على جملة (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢].
ودخلت الفاء على (كبّر) إيذانا بشرط محذوف يكون (كبّر) جوابه ، وهو شرط عام إذ لا دليل على شرط مخصوص وهيّئ لتقدير الشرط بتقديم المفعول. لأن تقديم المعمول قد ينزل منزلة الشرط كقول النبي صلىاللهعليهوسلم «ففيهما فجاهد» (يعني الأبوين).
فالتقدير : مهما يكن شيء فكبّر ربّك.
والمعنى : أن لا يفتر عن الإعلان بتعظيم الله وتوحيده في كل زمان وكل حال وهذا من الإيجاز. وجوز ابن جني أن تكون الفاء زائدة قال : هو كقولك زيدا فاضرب ، تريد : زيدا اضرب.
وتكبير الرب تعظيمه ففعل (كبّر) يفيد معنى نسبة مفعوله إلى أصل مادة اشتقاقه وذلك من معاني صيغة فعّل ، أي أخبر عنه بخبر التعظيم ، وهو تكبير مجازي بتشبيه الشيء المعظّم بشيء كبير في نوعه بجامع الفضل على غيره في صفات مثله.