[المزمل : ٥]. فالمعنى : أن صلاة الليل أعون على تذكر القرآن والسلامة من نسيان بعض الآيات ، وأعون على المزيد من التدبر. قال ابن عباس : (وَأَقْوَمُ قِيلاً) : أدنى من أن يفقهوا القرآن. وقال قتادة : أحفظ للقراءة ، وقال ابن زيد : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا.
وانتصب (وَطْئاً) و (قِيلاً) نسبة تمييزي ل (أَشَدُّ) ول (أَقْوَمُ).
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧))
فصل هذه الجملة دون عطف على ما قبلها يقتضي أن مضمونها ليس من جنس حكم ما قبلها ، فليس المقصود تعيين صلاة النهار إذ لم تكن الصلوات الخمس قد فرضت يومئذ على المشهور ، ولم يفرض حينئذ إلّا قيام الليل.
فالذي يبدو أن موقع هذه الجملة موقع العلة لشيء مما في جملة (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل : ٦] وذلك دائر : بين أن يكون تعليلا لاختيار الليل لفرض القيام عليه فيه ، فيفيد تأكيدا للمحافظة على قيام الليل لأن النهار لا يغني غناءه فيتحصل من المعنى : قم الليل لأن قيامه أشد وقعا وأرسخ قولا ، لأن النهار زمن فيه شغل عظيم لا يترك لك خلوة بنفسك. وشغل النبي صلىاللهعليهوسلم في النهار بالدعوة إلى الله وإبلاغ القرآن وتعليم الدين ومحاجة المشركين وافتقاد المؤمنين المستضعفين ، فعبر عن جميع ذلك بالسبح الطويل ، وبين أن يكون تلطفا واعتذارا عن تكليفه بقيام الليل ، وفيه إرشاد إلى أن النهار ظرف واسع لإيقاع ما عسى أن يكلفه فيام الليل من فتور بالنهار لينام بعض النهار وليقوم بمهامه فيه.
ويجوز أن يكون تعليلا لما تضمنه (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) [المزمل : ٣] ، أي إن نقصت من نصف الليل شيئا لا يفتك ثواب عمله ، فإن لك في النهار متسعا للقيام والتلاوة مثل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) [الفرقان : ٦٢].
وقد ثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يصلي في النهار من أول البعثة قبل فرض الصلوات الخمس كما دل عليه قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) [العلق : ٩ ، ١٠].
وقد تقدم في سورة الجن أن استماعهم القرآن كان في صلاة النبي صلىاللهعليهوسلم بأصحابه في نخلة في طريقهم إلى عكاظ. ويظهر أن يكون كل هذا مقصودا لأنه مما تسمح به دلالة كلمة (سَبْحاً طَوِيلاً) وهي من بليغ الإيجاز.