و (الرُّوحُ) : يطلق على ما به حياة الإنسان وتصريف أعماله وهو المذكور في قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥]. فيجوز أن يكون مما شمله قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) ، أي أرواح أهل الجنة على اختلاف درجاتها في المعارج. وهذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة. وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها.
وضمير (إِلَيْهِ) عائد إلى الله على تأويل مضاف على طريقة تعلق بعض الأفعال بالذوات ، والمراد أحوالها مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] أي أكلها. و (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يتنازع تعلقه كل من قوله : (واقِعٍ) [المعارج : ١] وقوله : (تَعْرُجُ).
(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥))
اعتراض مفرع : إما على ما يومئ إليه (سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١] من أنه سؤال استهزاء ، فهذا تثبيت للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وإما على (سَأَلَ سائِلٌ) بمعنى : دعا داع.
فالفاء لتفريع الأمر بالصبر على جملة (سَأَلَ سائِلٌ) إذا كان ذلك السؤال بمعنييه استهزاء وتعريضا بالتكذيب فشأنه أن لا تصبر عليه النفوس في العرف.
والصبر الجميل : الصبر الحسن في نوعه وهو الذي لا يخالطه شيء مما ينافي حقيقةالصبر ، أي اصبر صبرا محضا ، فإن جمال الحقائق الكاملة بخلوصها عما يعكر معناها من بقايا أضدادها ، وقد مضى قوله تعالى عن يعقوب (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) في سورة يوسف [١٨] وسيجيء قوله تعالى : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) في المزمل [١٠].
[٦ ـ ٧] (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧))
تعليل لجملتي (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] ولجملة (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) [المعارج : ٥] ، أي سألوا استهزاء لأنهم يرونه محالا وعليك بالصبر لأنا نعلم تحققه ، أي وأنت تثق بأنه قريب ، أي محقق الوقوع ، وأيضا هو تجهيل لهم إذ اغتروا بما هم فيه من الأمن ومسالمة العرب لهم ومن الحياة الناعمة فرأوا العذاب الموعود بعيدا ، إن كان في الدنيا فلأمنهم ، وإن كان في الآخرة فلإنكارهم البعث ، والمعنى : وأنت لا تشبه حالهم