إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦))
(يَوْمَ يُدَعُّونَ) بدل من (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) وهو بدل اشتمال.
والدعّ : الدفع العنيف ، وذلك إهانة لهم وغلظة عليهم ، أي يوم يساقون إلى نار جهنم سوقا بدفع ، وفيه تمثيل حالهم بأنهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكلون بإزجائهم إلى النار.
وتأكيد (يُدَعُّونَ) ب (دَعًّا) لتوصل إلى إفادة تعظيمه بتنكيره.
وجملة (هذِهِ النَّارُ) إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه السياق. والقول المحذوف يقدر بما هو حال من ضمير (يُدَعُّونَ). وتقديره : يقال لهم ، أو مقولا لهم ، والقائل هم الملائكة الموكلون بإيصالهم إلى جهنم. والإشارة بكلمة (هذِهِ) الذي هو للمشار إليه القريب المؤنث تومئ إلى أنهم بلغوها وهم على شفاها ، والمقصود بالإشارة التوطئة لما سيرد بعدها من قوله : (الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) إلى (لا تُبْصِرُونَ).
والموصول وصلته في قوله : (الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) لتنبيه المخاطبين على فساد رأيهم إذ كذبوا بالحشر والعقاب فرأوا ذلك عيانا.
وفرع على هذا التنبيه تنبيه آخر على ضلالهم في الدنيا بقوله : (أَفَسِحْرٌ هذا) إذ كانوا حين يسمعون الإنذار يوم البعث والجزاء يقولون : هذا سحر ، وإذا عرض عليهم القرآن قالوا : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، فللمناسبة بين ما في صلة الموصول من معنى التوقيف على خطئهم وبين التهكّم عليهم بما كانوا يقولونه دخلت فاء التفريع وهو من جملة ما يقال لهم المحكي بالقول المقدر.
و (أَمْ) منقطعة ، والاستفهام الذي تقتضيه (أَمْ) بعدها مستعمل في التوبيخ والتهكم. والتقدير : بل أأنتم لا تبصرون.
ومعنى (لا تُبْصِرُونَ) : لا تبصرون المرئيات كما هي في الواقع فلعلكم تزعمون أنكم لا ترون نارا كما كنتم في الدنيا تقولون : (بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] أي فلا نراك ، وتقولون : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [الحجر : ١٥].
وجيء بالمسند إليه مخبرا عنه بخبر فعلي منفي لإفادة تقوّي الحكم ، فلذلك لم يقل : أم لا تبصرون ، لأنه لا يفيد تقويا ، ولا : أم لا تبصرون أنتم ، لأن مجيء الضمير المنفصل