زائلة ، فكانت الأقوال التي قالها رسولهم تذكيرا بنعمة الله عليهم يجمعها (تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) ، على أنه يجوز أن يكون رسولهم قال لهم هذه الكلمة الجامعة ولم تحك في القرآن إلا في هذا الموضع ، فقد علمت من المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير أن أخبار الأمم تأتي موزعة على قصصهم في القرآن.
فقوله : (تَمَتَّعُوا) أمر مستعمل في إباحة المتاع. وقد جعل المتاع بمعنى النعمة في مواضع كثيرة كقوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) [الرعد : ٢٦] قوله : (إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١١١].
والمراد ب (حِينٍ) زمن مبهم ، جعل نهاية لما متّعوا به من النعم فإن نعم الدنيا زائلة ، وذلك الأجل : إما أن يراد به أجل كل واحد منهم الذي تنتهي إليه حياته ، وإمّا أن يراد به أجل الأمة الذي ينتهي إليه بقاؤها. وهذا نحو قوله : (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [هود : ٣] فكما قاله الله للناس على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم لعله قاله لثمود على لسان صالح عليهالسلام.
وليس قوله : (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) بمشير إلى قوله في الآية الأخرى (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [هود : ٦٥] ونحوه لأن ذلك الأمر مستعمل في الإنذار والتأييس من النجاة بعد ثلاثة أيام فلا يكون لقوله بعده : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) مناسبة لتعقيبه به بالفاء لأن الترتيب الذي تفيده الفاء يقتضي أن ما بعدها مرتب في الوجود على ما قبلها.
والعتوّ : الكبر والشدة. وضمن «عتوا» معنى : أعرضوا ، فعدي ب (عن) ، أي فأعرضوا عما أمرهم الله على لسان رسوله صالح عليهالسلام.
وأخذ الصاعقة إياهم إصابتها إياهم إصابة تشبه أخذ العدوّ عدوه.
وجملة (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) حال من ضمير النصب في (فَأَخَذَتْهُمُ) ، أي أخذتهم في حال نظرهم إلى نزولها ، لأنهم لما رأوا بوارقها الشديدة علموا أنها غير معتادة فاستشرفوا ينظرون إلى السحاب فنزلت عليهم الصاعقة وهم ينظرون ، وذلك هول عظيم زيادة في العذاب فإن النظر إلى النقمة يزيد صاحبها ألما كما أن النظر إلى النعمة يزيد المنعم مسرّة ، قال تعالى : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [البقرة : ٥٠].
وقرأ الكسائي الصعقة بدون ألف.