مناسبة ذكره هذه الجملة أن تقدير الليل والنهار وتعاقبهما من التصرفات الإلهية المشاهدة في أحوال السماوات والأرض وملابسات أحوال الإنسان ، فهذه الجملة بدل اشتمال من جملة (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الحديد : ٥]
وهو أيضا مناسب لمضمون جملة (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [الحديد : ٥] تذكير للمشركين بأن المتصرف في سبب الفناء هو الله تعالى فإنهم يعتقدون أن الليل والنهار هما اللذان يفنيان الناس ، قال الأعشى :
ألم تروا إرما وعادا |
|
أفناهما الليل والنهار |
وحكى الله عنهم قولهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] فلما قال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [الحديد : ٥] ، أبطل بعده اعتقاد أهل الشرك أن للزمان الذي هو تعاقب الليل والنهار والمعبر عنه بالدهر تصرفا فيهم ، وهذا معنى اسمه تعالى : «المدبر».
(وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
لما ذكر تصرف الله في الليل وكان الليل وقت إخفاء الأشياء أعقب ذكره بأن الله عليم بأخفى الخفايا وهي النوايا ، فإنها مع كونها معاني غائبة عن الحواس كانت مكنونة في ظلمة باطن الإنسان فلا يطلع عليها عالم إلا الله تعالى ، وهذا كقوله تعالى : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) [الأنعام : ٥٩] ، وقوله : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) [هود : ٥].
(بِذاتِ الصُّدُورِ) : ما في خواطر الناس من النوايا ، ف (ذات) هنا مؤنث (ذو) بمعنى صاحبة.
والصحبة : هنا بمعنى الملازمة.
ولما أريد بالمفرد الجنس أضيف إلى «جمع» ، وتقدم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) في سورة الأنفال [٤٣]. وقد اشتمل هذا المقدار من أول السورة إلى هنا على معاني ست عشرة صفة من أسماء الله الحسنى : وهي : الله ، العزيز ، الحكيم ، الملك ، المحيي ، المميت ، القدير ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، العليم ، الخالق ، البصير ، الواحد ، المدبر.
وعن ابن عباس أن اسم الله الأعظم هو في ست آيات من أول سورة الحديد فهو يعني مجموع هذه الأسماء.