لأنهم يعنون بها الحكايات المكذوبة التي يتلهى بها أهل الأسمار ، فقال الله : إن هذا القرآن مطابق لما عند الله الذي لا يشاهده إلا الملائكة المطهرون.
وجملة (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) مبينة لجملة (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) فهي تابعة لصفة القرآن ، أي فبلوغه إليكم كان بتنزيل من الله ، أي نزل به الملائكة.
وفي معنى نظم هذه الآية قوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الحاقة : ٤١ ـ ٤٣].
وإذ قد ثبتت هذه المرتبة الشريفة للقرآن كان حقيقا بأن تعظم تلاوته وكتابته ، ولذلك كان من المأمور به أن لا يمس مكتوب القرآن إلا المتطهّر تشبها بحال الملائكة في تناول القرآن بحيث يكون ممسك القرآن على حالة تطهر ديني وهو المعنى الذي تومئ إليه مشروعية الطهارة لمن يريد الصلاة نظير ما في الحديث «المصلي يناجي ربه».
وقد دلت آثار على هذا أوضحها ما رواه مالك في «الموطإ» مرسلا «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أقيال ذي رعين وقعافر وهمذان وبعثها به مع عمرو بن حزم «أن لا يمس القرآن إلا طاهر». وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : لا يمس القرآن إلا طاهر» ، قال المناوي : وسنده صحيح وجعله السيوطي في مرتبة الحسن.
وفي كتب السيرة أن عمر بن الخطاب قبل أن يسلم دخل على أخته وهي امرأة سعيد بن زيد فوجدها تقرأ القرآن من صحيفة مكتوب فيها سورة طه فدعا بالصحيفة ليقرأها فقالت له : لا يمسه إلا المطهّرون فقام فاغتسل وقرأ السورة فأسلم ، فهذه الآية ليست دليلا لحكم مسّ القرآن بأيدي الناس ولكن ذكر الله إياها لا يخلو من إرادة أن يقاس الناس على الملائكة في أنهم لا يمسّون القرآن إلا إذا كانوا طاهرين كالملائكة ، أي بقدر الإمكان من طهارة الآدميين.
فثبت بهذا أن الأمر بالتطهر لمن يمسك مكتوبا من القرآن قد تقرر بين المسلمين من صدر الإسلام في مكة.
وإنما اختلف الفقهاء في مقتضى هذا الأمر من وجوب أو ندب ، فالجمهور رأوا وجوب أن يكون ممسك مكتوب القرآن على وضوء وهو قول علي وابن مسعود وسعد