[الواقعة : ١١] ، أي أعطيناهم ذلك جزاء ، ويجوز أن يكون (جَزاءً) مصدرا جاء بدلا عن فعله ، والتقدير : جازيناهم جزاء.
والجملة على التقديرين اعتراض تفيد إظهار كرامتهم بحيث جعلت أصناف النعيم الذين حظوا به جزاء على عمل قدّموه وذلك إتمام لكونهم مقربين.
ثم أكمل وصف النعيم بقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) ، وهي نعمة روحية فإن سلامة النفس من سماع ما لا يحب سماعه ومن سماع ما يكره سماعه من الأذى نعمة براحة البال وشغله بسماع المحبوب.
واللغو : الكلام الذي لا يعتدّ به كالهذيان ، والكلام الذي لا محصل له.
والتأثيم : اللّوم والإنكار ، وهو مصدر أثّم ، إذا نسب غيره إلى الإثم.
وضمير (فِيها) عائد إلى (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : ١٢].
وأتبع ذكر هذه النعمة بذكر نعمة أخرى من الأنعام بالمسموع الذي يفيد الكرامة لأن الإكرام لذة روحية يكسب النفس عزة وإدلالا بقوله : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً). وهو استثناء من (لَغْواً) ـ و ـ (تَأْثِيماً) بطريقة تأكيد الشيء بما يشبه ضده المشتهر في البديع باسم تأكيد المدح لما يشبه الذم ، وله موقع عظيم من البلاغة كقوله النابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
فالاستثناء متصل ادعاء وهو المعبر عنه بالاستثناء المنقطع بحسب حاصل المعنى ، وعليه فإن انتصاب (قِيلاً) على الاستثناء لا على البدلية من (لَغْواً).
و (سَلاماً) الأول مقول (قِيلاً) أي هذا اللفظ الذي تقديره : سلمنا سلاما ، فهو جملة محكية بالقول.
و (سَلاماً) الثاني تكرير ل (سَلاماً) الأول تكريرا ليس للتأكيد بل لإفادة التعاقب ، أي سلاما إثر سلام ، كقوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) [الفجر: ٢١] وقولهم : قرأت النحو بابا بابا ، أو مشارا به إلى كثرة المسلمين فهو مؤذن مع الكرامة بأنهم معظمون مبجلون ، والفرق بين الوجهين أن الأول يفيد التكرير بتكرير الأزمنة ، والثاني يفيد التكرار بتكرار المسلمين.
وهذا القيل يتلقونه من الملائكة الموكلين بالجنة ، قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٢٣ ، ٢٤] ويتلقاه بعضهم من بعض كما