لما عهد في العرف من قلة الأشياء النفيسة وكقول السموأل ـ وقيل غيره ـ :
تعيرنا أنّا قليل عديدنا |
|
فقلت لها : إن الكرام قليل |
مع بشارة المسلمين بأن حظهم في هذا الصنف كحظ المؤمنين السالفين أصحاب الرسل لأن المسلمين كانوا قد سمعوا في القرآن وفي أحاديث الرسول صلىاللهعليهوسلم تنويها بثبات المؤمنين السالفين مع الرسل ومجاهدتهم فربما خامر نفوسهم أن تلك صفة لا تنال بعدهم فبشرهم الله بأن لهم حظا منها مثل قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) إلى قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) إلى قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٤ ـ ١٤٦] وغيرها ، تلهيبا للمسلمين وإذكاء لهممهم في الأخذ بما يلحقهم بأمثال السابقين من الأولين فيستكثروا من تلك الأعمال. وفي الحديث : «لقد كان من قبلكم يوضع المنشار على أحدهم فينشر إلى عظمه لا يصده ذلك عن دينه».
والثلّة : بضم الثاء لا غير : اسم للجماعة من الناس مطلقا قليلا كانوا أو كثيرا ، وهذا هو قول الفراء وأهل اللغة والراغب وصاحب «لسان العرب» وصاحب «القاموس» والزمخشري في «الأساس» ، وقال الزمخشري في «الكشاف» إن الثلة : الأمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها في هذه الآية لا تفسير الكلمة في اللغة.
ولما في هذا الاعتراض من الإشعار بالعزة قدم على ذكر ما لهم من النعيم للإشارة إلى عظيم كيفيته المناسبة لوصفهم ب (السابقين) بخلاف ما يأتي في أصحاب اليمين.
ومعنى : (الْأَوَّلِينَ) قوم متقدمون على غيرهم في الزمان لأن الأول هو الذي تقدم في صفة ما كالوجود أو الأحوال على غير الذي هو الآخر أو الثاني ، فالأوّلية أمر نسبي يبيّنه سياق الكلام حيثما وقع.
فالظاهر أن (الْأَوَّلِينَ) هنا مراد بهم الأمم السابقة قبل الإسلام بناء على ما تقدم من أن الخطاب في قوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) [الواقعة : ٧] خطاب لجميع الناس بعنوان أنهم ناس لأن المنقرضين الذين يتقدمون من أمة أو قبيلة أو أهل نحلة يدعون بالأوليين كما قال الفرزدق :
ومهلهل الشعراء ذاك الأوّل
وقال تعالى : (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الواقعة : ٤٨] الذين هم يخلفونهم ويكونون