والمرج : له معان كثيرة ، وأولاها في هذا الكلام إنه الإرسال من قولهم : «مرج الدابة» إذا أرسلها ترعى في المرج ، وهو الأرض الواسعة ذات الكلأ الذي لا مالك له ، أي : تركها تذهب حيث تشاء.
والمعنى : أرسل البحرين لا يحبس ماءهما عن الجري حاجز. وهذا تهيئة لقوله بعد (يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ).
والمراد : أنه خلقهما ومرجهما ، لأنه ما مرجهما إلا عقب أن خلقهما.
ويلتقيان : يتصلان بحيث يصب أحدهما في الآخر.
والبحر : الماء الغامر جزءا عظيما من الأرض يطلق على المالح والعذب.
والمراد تثنية نوعي البحر وهما البحر الملح والبحر العذب. كما في قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) [فاطر : ١٢] والتعريف تعريف العهد الجنسي.
فالمقصود ما يعرفه العرب من هذين النوعين وهما نهر الفرات وبحر العجم المسمّى اليوم بالخليج الفارسي. والتقاؤهما انصباب ماء الفرات في الخليج الفارسي. في شاطئ البصرة ، والبلاد التي على الشاطئ العربي من الخليج الفارسي تعرف عند العرب ببلاد البحرين لذلك.
والمراد بالبرزخ الذي بينهما : الفاصل بين الماءين الحلو والملح بحيث لا يغير أحد البحرين طعم الآخر بجواره. وذلك بما في كل ماء منهما من خصائص تدفع عنه اختلاط الآخر به. وهذا من مسائل الثقل النوعي. وذكر البرزخ تشبيه بليغ ، أي بينهما مثل البرزخ وهو معنى (لا يَبْغِيانِ) ، أي لا يبغي أحدهما على الآخر ، أي لا يغلب عليه فيفسد طعمه فاستعير لهذه الغلبة لفظ البغي الذي حقيقته الاعتداء والتظلم.
ويجوز أن تكون التثنية تثنية بحرين ملحين معينين ، والتعريف حينئذ تعريف العهد الحضوري ، فالمراد : بحران معروفان للعرب. فالأظهر أن المراد : البحر الأحمر الذي عليه شطوط تهامة مثل : جدّة وينبع النخل ، وبحر عمان وهو بحر العرب الذي عليه حضرموت وعدن من بلاد اليمن.
والبرزخ : الحاجز الفاصل ، والبرزخ الذي بين هذين البحرين هو مضيق باب المندب