أئمّة رسم الخطّ على كتابتها في صورة كلمة واحدة ، رعيا لحالة النّطق بها بإدغام النّون في الميم ، والأظهر أنّها تفيد مع التّأكيد عموم الشّرط مثل أخواتها (مهما) و (أينما) ، فإذا اقترنت بإن الشّرطية اقترنت نون التّوكيد بفعل الشّرط كقوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي) سورة مريم [٢٦] لأنّ التّوكيد الشّرطي يشبه القسم ، وهذا الاقتران بالنّون غالب ، ولأنّها لما وقعت توكيدا للشّرط تنزّلت من أداة الشّرط منزلة جزء الكلمة.
وقوله : (مِنْكُمْ) أي من بني آدم ، وهذا تنبيه لبني آدم بأنّهم لا يترقّبون أن تجيئهم رسل الله من الملائكة لأنّ المرسل يكون من جنس من أرسل إليهم ، وفي هذا تعريض بالجهلة من الأمم الذين أنكروا رسالة الرّسل لأنّهم من جنسهم ، مثل قوم نوح ، إذ قالوا : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) [هود : ٢٧] ومثل المشركين من أهل مكّة إذ كذّبوا رسالة محمّدصلىاللهعليهوسلم بأنّه بشر قال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤ ، ٩٥].
ومعنى (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) يتلونها ويحكونها ويجوز أن يكون بمعنى يتبعون الآية بأخرى ويجوز أن يكون بمعنى يظهرون وكلّها معان مجازيّة للقص لأنّ حقيقة القص هي أنّ أصل القصص اتباع الحديث من اقتصاص أثر الأرجل واتّباعه لتعرف جهة الماشي ، فعلى المعنى الأوّل فهو كقوله في الآية الأخرى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) [الزمر : ٧١] وأيّا ما كان فهو محتمل للحمل على جميعها من استعمال اللّفظ في مجازيه.
الآية أصلها العلامة الدّالة على شيء ، من قول أو فعل ، وآيات الله الدّلائل التي جعلها دالة على وجوده ، أو على صفاته ، أو على صدق رسله ، كما تقدّم عند قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في سورة البقرة [٣٩] ، وقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) في سورة الأنعام [٣٧] ، ومنه آيات القرآن التي جعلها الله دلالة على مراده للنّاس ، للتّعريض بالمشركين من العرب ، الذين أنكروا رسالة محمّدصلىاللهعليهوسلم. ووجه دلالة الآيات على ذلك إمّا لأنّها جاءت على نظم يعجز البشر عن تأليف مثله ، وذلك من خصائص القرآن ، وإمّا لأنّها تشتمل على أحكام ومعان لا قبل لغير الله ورسوله بإدراك مثلها ، أو لأنّها تدعو إلى صلاح لم يعهده النّاس. فيدل ما اشتملت عليه على أنّه ممّا أراده الله للنّاس ، مثل بقيّة الكتب التي جاءت بها الرّسل ، وإمّا لأنّها قارنتها أمور خارقة