الْكِتابِ) [الأعراف : ٣٧] آنفا ، فأطلق على ذلك الإيواء فعل (ينال) على سبيل الاستعارة. وجعلت الرّحمة بمنزلة الآلة للنّيل كما يقال : نال الثّمرة بمحجن. فالباء للآلة. أو جعلت الرّحمة ملابسة للنّيل فالباء للملابسة. والنّيل هنا استعارة ، وقد عمدوا إلى هذا الكلام المقدّر فنفوه فقالوا : (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ).
وهذا النّظم الذين حكي به قسمهم يؤذن بتهكّمهم بضعفاء المؤمنين في الدّنيا ، وقد أغفل المفسّرون تفسير هذه الآية بحسب نظمها.
وجملة : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) قيل مقول قول محذوف اختصارا لدلالة السّياق عليه ، وحذف القول في مثله كثير ولا سيما إذا كان المقول جملة إنشائيّة ، والتّقدير : قال لهم الله ادخلوا الجنّة فكذّب الله قسمكم وخيّب ظنّكم ، وهذا كلّه من كلام أصحاب الأعراف ، والأظهر أن يكون الأمر في قوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) للدّعاء لأنّ المشار إليهم بهؤلاء هم أناس من أهل الجنّة ، لأنّ ذلك الحين قد استقرّ فيه أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار ، كما تقتضيه الآيات السّابقة من قوله : (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ـ إلى قوله ـ (الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف : ٤٦ ، ٤٧] فلذلك يتعيّن جعل الأمر للدّعاء كما في قول المعرّي :
ابق في نعمة بقاء الدّهور |
|
نافذا لحكم في جميع الأمور |
وإذ قد كان الدّخول حاصلا فالدّعاء به لإرادة الدّوام كما يقول الدّاعي على الخارج : أخرج غير مأسوف عليك ، ومنه قوله تعالى : (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ).
ورفع (خَوْفٌ) مع (لا) لأنّ أسماء أجناس المعاني التي ليست لها أفراد في الخارج يستوي في نفيها بلا الرّفع والفتح ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف : ٣٥].
[٥٠ ، ٥١] (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١))