والمتاع والتّمتّع : نيل الملذّات والمرغوبات غير الدّائمة ، ويطلق المتاع على ما يتمتّع به وينتفع به من الأشياء ، وتقدّم في قوله تعالى : (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) في سورة النّساء [١٠٢].
والحين المدّة من الزّمن ، طويلة أو قصيرة ، وقد نكر هنا ولم يحدّد لاختلاف مقداره باختلاف الأجناس والأفراد ، والمراد به زمن الحياة التي تخول صاحبها إدراك اللّذّات ، وفيه يحصل بقاء الذّات غير متفرّقة ولا متلاشية ولا معدومة ، وهذا الزّمن المقارن لحالة الحياة والإدراك هو المسمّى بالأجل ، أي المدّة التي يبلغ إليها الحيّ بحياته في علم الله تعالى وتكوينه ، فإذا انتهى الأجل وانعدمت الحياة انقطع المستقر والمتاع ، وهذا إعلام من الله بما قدّره للنّوعين ، وليس فيه امتنان ولا تنكيل بهم.
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥))
أعيد فعل القول في هذه الجملة مستأنفا غير مقترن بعاطف ، ولا مستغنى عن فعل القول بواو عطف ، مع كون القائل واحدا ، والغرض متّحدا ، خروجا عن مقتضى الظّاهر لأنّ مقتضى الظاهر في مثله هو العطف ، وقد أهمل توجيه ترك العطف جمهور الحذّاق من المفسّرين : الزمخشري وغيره ، ولعلّه رأى ذلك أسلوبا من أساليب الحكاية ، وأوّل من رأيته حاول توجيه ترك العطف هو الشّيخ محمّد بن عرفة التّونسي في «املاءات التّفسير» المروية عنه ، فإنّه قال في قوله تعالى الآتي في هذه السّورة [١٤٠] : (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) بعد قوله : (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف : ١٣٨] إذ جعل وجه إعادة لفظ قال هو ما بين المقالين من البون ، فالأوّل راجع إلى مجرد الإخبار ببطلان عبادة الأصنام في ذاته ، والثاني إلى الاستدلال على بطلانه ، وقد ذكر معناه الخفاجي عند الكلام على الآية الآتية بعد هذه ، ولم ينسبه إلى ابن عرفة فلعلّه من توارد الخواطر ؛ وقال أبو السّعود : إعادة القول إمّا لإظهار الاعتناء بمضمون ما بعده ، وهو قوله : (فِيها تَحْيَوْنَ) [الأعراف : ٢٥] وإما للإيذان بكلام محذوف بين القولين كما في قوله تعالى : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) [الحجر : ٥٧] ـ إثر قوله ـ (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) [الحجر : ٥٦] فإن الخليل خاطب الملائكة أوّلا بغير عنوان كونهم مرسلين ، ثمّ خاطبهم بعنوان كونهم مرسلين عند تبين أنّ مجيئهم ليس لمجرّد البشارة ، فلذلك قال : (فَما خَطْبُكُمْ) ، وكما في قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) [الإسراء : ٦٢] ـ بعد قوله ـ (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [الإسراء : ٦١] فإنّه قال قوله الثّاني بعد الإنظار المترتّب على استنظاره الذي لم يصرّح به اكتفاء بما ذكر في