و (أَوْلِياءَ) حال من (الشَّياطِينَ) وهي حال مقدرة أي خلقناهم مقدرة ولايتهم للّذين لا يؤمنون ، وذلك أنّ الله جبل أنواع المخلوقات وأجناسها على طبائع لا تنتقل عنها ، ولا تقدر على التّصرّف بتغييرها : كالافتراس في الأسد ، واللّسع في العقرب ، وخلق للإنسان العقل والفكر فجعله قادرا على اكتساب ما يختار ، ولما كان من جبلة الشّياطين حبّ ما هو فساد ، وكان من قدرة الإنسان وكسبه أنّه قد يتطلّب الأمر العائد بالفساد ، إذا كان له فيه عاجل شهوة أو كان يشبه الأشياء الصّالحة في بادئ النّظرة الحمقاء ، كان الإنسان في هذه الحالة موافقا لطبع الشّياطين ، ومؤتمرا بما تسوله إليه ، ثمّ يغلب كسب الفساد والشرّ على الذين توغّلوا فيه وتدرّجوا إليه ، حتّى صار المالك لإراداتهم ، وتلك مرتبة المشركين ، وتتفاوت مراتب هذه الولاية ، فلا جرم نشأت بينهم وبين الشّياطين ولاية ووفاق لتقارب الدّواعي ، فبذلك انقلبت العداوة التي في الجبلة التي أثبتها قوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف : ٢٢] ـ وقوله ـ (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [الأعراف : ٢٤] فصارت ولاية ومحبّة عند بلوغ ابن آدم آخر دركات الفساد ، وهو الشّرك وما فيه ، فصار هذا جعلا جديدا ناسخا للجعل الذي في قوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) كما تقدّمت الإشارة إليه هنالك ، فما في هذه الآية مقيّد للإطلاق الذي في الآية الأخرى تنبيها على أن من حقّ المؤمن أن لا يوالي الشّيطان.
والمراد بالذين لا يؤمنون المشركون ، لأنّهم المضادون للمؤمنين في مكّة ، وستجيء زيادة بيان لهذه الآية عند قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) في هذه السورة [٣٥].
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) معطوف على (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف : ٢٧] فهو من جملة الصّلة ، وفيه إدماج لكشف باطلهم في تعلّلاتهم ومعاذيرهم الفاسدة ، أي للذين لا يقبلون الإيمان ويفعلون الفواحش ويعتذرون عن فعلها بأنّهم اتّبعوا آباءهم وأنّ الله أمرهم بذلك ، وهذا خاص بأحوال المشركين المكذّبين ، بقرينة قوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) والمقصود من جملتي الصّلة : تفظيع حال دينهم بأنّه ارتكاب فواحش ، وتفظيع حال استدلالهم لها بما لا ينتهض عند أهل العقول. وجاء الشّرط بحرف (إِذا) الذي من شأنه إفادة اليقين بوقوع الشّرط ليشير إلى أنّ هذا حاصل منهم لا محالة.