وقرأه ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وخلف : برفع (لِباسُ التَّقْوى) على أنّ الجملة معطوفة على جملة (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) ، فيجوز أن يكون المراد بلباس التّقوى مثل ما يرد به في قراءة النّصب ، ويجوز أن يكون المراد بالتّقوى تقوى الله وخشيته ، وأطلق عليها اللّباس إمّا بتخييل التّقوى بلباس يلبس ، وإمّا بتشبيه ملازمة تقوى الله بملازمة اللّابس لباسه ، كقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : ١٨٧] مع ما يحسّن هذا الإطلاق من المشاكلة.
وهذا المعنى الرّفع أليق به. ويكون استطرادا للتّحريض على تقوى الله ، فإنّها خير للنّاس من منافع الزّينة ، واسم الإشارة على هذه القراءة لتعظيم المشار إليه.
وجملة : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) استئناف ثان على قراءة : (وَلِباسُ التَّقْوى) بالنّصب بأن استأنف. بعد الامتنان بأصناف اللّباس ، استئنافين يؤذنان بعظيم النّعمة : الأوّل بأنّ اللّباس خير للنّاس ، والثّاني بأنّ اللّباس آية من آيات الله تدلّ على علمه ولطفه ، وتدلّ على وجوده ، وفيها آية أخرى وهي الدّلالة على علم الله تعالى بأن ستكون أمّة يغلب عليها الضّلال فيكونون في حجّهم عراة ، فلذلك أكّد الوصاية به. والمشار إليه ، بالإشارة التي في الجملة الثّانية ، عين المشار إليه بالإشارة التي في الجملة الأولى وللاهتمام بكلتا الجملتين جعلت الثّانية مستقلّة غير معطوفة.
وعلى قراءة رفع : (وَلِباسُ التَّقْوى) تكون جملة : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) استئناف واحدا والإشارة التي في الجملة الثّانية عائدة إلى المذكور قبل من أصناف اللّباس حتّى المجازي على تفسير لباس التّقوى بالمجازي.
وضمير الغيبة في : (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) التفات أي جعل الله ذلك آية لعلّكم تتذكّرون عظيم قدرة الله تعالى وانفراده بالخلق والتّقدير واللّطف ، وفي هذا الالتفات تعريض بمن لم يتذكر من بني آدم فكأنّه غائب عن حضرة الخطاب ، على أنّ ضمائر الغيبة ، في مثل هذا المقام في القرآن ، كثيرا ما يقصد بها مشركو العرب.
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))
أعيد خطاب بني آدم ، فهذا النّداء تكملة للآي قبله ، بني على التّحذير من متابعة