يقولون : جلس عن يمينه ، وكذلك (من) في قولهم من بين يديه أصلها الابتداء يقال : أتاه من بين يديه ، أي من المكان المواجه له ، ثمّ شاع ذلك حتّى صارت (من) بمنزلة الحرف الزّائد يجرّ بها الظّرف فلذلك جرّت بها الظّروف الملازمة للظّرفيّة مثل عند ، لأنّ وجود (من) كالعدم ، وقد قال الحريري في «المقامة النّحويّة» (ما منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف : «فهي هنا زائدة ويجوز اعتبارها ابتدائيّة.
والأيمان جمع يمين ، واليمين هنا جانب من جسم الإنسان يكون من جهة القطب الجنوبي إذا استقبل المرء مشرق الشّمس ، تعارفه النّاس ، فشاعت معرفته ولا يشعرون بتطبيق الضّابط الذي ذكرناه ، فاليمين جهة يتعرّف بها مواقع الأعضاء من البدن يقال العين اليمنى واليد اليمنى ونحو ذلك. وتتعرّف بها مواقع من غيرها قال تعالى : (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات : ٢٨]. وقال امرؤ القيس :
على قطن بالشّيم أيمن صوبه
لذلك قال أئمّة اللّغة سمّيت بلاد اليمن يمنا لأنّه عن يمين الكعبة ، فاعتبروا الكعبة كشخص مستقبل مشرق الشّمس فالرّكن اليماني منها وهو زاوية الجدار الذي فيه الحجر الأسود باعتبار اليد اليمنى من الإنسان ، ولا يدري أصل اشتقاق كلمة (يمين) ، ولا أن اليمن أصل لها أو فرع عنها ، والأيمان جمع قياسي.
والشّمائل جمع شمال وهي الجهة التي تكون شمالا لمستقبل مشرق الشّمس ، وهو جمع على غير قياس.
وقوله : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) زيادة في بيان قوّة إضلاله بحيث لا يفلت من الوقوع في حبائله إلّا القليل من النّاس ، وقد علم ذلك بعلم الحدس وترتيب المسبّبات.
وكني بنفي الشّكر عن الكفر إذ لا واسطة بينهما كما قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢] ووجه هذه الكناية ، إن كانت محكيّة كما صدرت من كلام إبليس ، أنّه أراد الأدب مع الله تعالى فلم يصرّح بين يديه بكفر أتباعه المقتضي أنّه يأمرهم بالكفر ، وإن كانت من كلام الله تعالى ففيها تنبيه على أنّ المشركين بالله قد أتوا أمرا شنيعا إذ لم يشكروا نعمه الجمّة عليهم.
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))