وكانوا مثلا لذلك العموم.
والإجرام : فعل الجرم ـ بضمّ الجيم ـ وهو الذنب ، وأصل : أجرم صار ذا جرم ، كما يقال : ألبن وأتمر وأخصب.
والمهاد ـ بكسر الميم ـ ما يمهد أي يفرش ، و «غواش» جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان ، أي يغطّيه كاللّحاف ، شبّه ما هو تحتهم من النّار بالمهاد ، وما هو فوقهم منها بالغواشي ، وذلك كناية عن انتفاء الرّاحة لهم في جهنّم ، فإنّ المرء يحتاج إلى المهاد والغاشية عند اضطجاعه للرّاحة ، فإذا كان مهادهم وغاشيتهم النّار. فقد انتفت راحتهم ، وهذا ذكر لعذابهم السّوء بعد أن ذكر حرمانهم من الخير.
وقوله : (غَواشٍ) وصف لمقدّر دلّ عليه قوله : (مِنْ جَهَنَّمَ) ، أي ومن فوقهم نيران كالغواشي. وذيله بقوله : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ليدلّ على أن سبب ذلك الجزاء بالعقاب : هو الظلم. وهو الشّرك. ولمّا كان جزاء الظّالمين قد شبّه بجزاء الذين كذّبوا بالآيات واستكبروا عنها ، علم أنّ هؤلاء المكذّبين من جملة الظّالمين. وهم المقصود الأوّل من هذا التّشبيه ، بحيث صاروا مثلا لعموم الظالمين ، وبهذين العمومين كان الجملتان تذييلين.
وليس في هذه الجملة الثّانية وضع الظّاهر موضع المضمر : لأنّ الوصفين ، وإن كانا صادقين معا على المكذّبين المشبّه عقاب أصحاب الوصفين بعقابهم. فوصف المجرمين أعمّ مفهوما من وصف الظّالمين ، لأنّ الإجرام يشمل التّعطيل والمجوسيّة بخلاف الإشراك. وحقيقة وضع المظهر موقع المضمر إنّما تتقوّم حيث لا يكون للاسم الظّاهر المذكور معنى زائد على معنى الضّمير.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢))
أعقب الإنذار والوعيد للمكذّبين ، بالبشارة والوعد للمؤمنين المصدّقين على عادة القرآن في تعقيب أحد الغرضين بالآخر.
وعطف على : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأعراف : ٤٠] أي : وإنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات إلخ ، لأنّ بين مضمون الجملتين مناسبة متوسّطة بين كمال الاتّصال وكمال