الأحوال ، فالأرض واحدة وقد تداولت فيها أحوال سكّانها المتخالفة تخالفا بعيدا.
وقرأ الجمهور : تخرجون ـ بضمّ الفوقية وفتح الرّاء ـ على البناء للمفعول ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وابن ذكوان عن ابن عامر ، ويعقوب ، وخلف : بالبناء للفاعل.
(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦))
إذا جرينا على ظاهر التّفاسير كان قوله : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) الآية استئنافا ابتدائيا ، عاد به الخطاب إلى سائر النّاس الذين خوطبوا في أوّل السّورة بقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣] الآيات ، وهم أمّة الدّعوة ، لأنّ الغرض من السّورة إبطال ما كان عليه مشركو العرب من الشّرك وتوابعه من أحوال دينهم الجاهلي ، وكان قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) [الأعراف : ١١] استطرادا بذكر منّة الله عليهم وهم يكفرون به كما تقدّم عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) فخاطبت هذه الآية جميع بني آدم بشيء من الأمور المقصودة من السّورة فهذه الآية كالمقدّمة للغرض الذي يأتي في قوله : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١] ووقوعها في أثناء آيات التّحذير من كيد الشّيطان جعلها بمنزلة الاستطراد بين تلك الآيات وإن كانت هي من الغرض الأصلي.
ويجوز أن يكون قوله : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) وما أشبهه ممّا افتتح بقوله : (يا بَنِي آدَمَ) أربع مرّات ، من جملة المقول المحكي بقوله : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ) [الأعراف : ٢٥] فيكون ممّا خاطب الله به بني آدم في ابتداء عهدهم بعمران الأرض على لسان أبيهم آدم ، أو بطريق من طرق الإعلام الإلهي ، ولو بالإلهام ، لما تنشأ به في نفوسهم هذه الحقائق ، فابتدأ فأعلمهم بمنّته عليهم أن أنزل لهم لباسا يواري سوآتهم ، ويتجمّلون به بمناسبة ما قصّ الله عليهم من تعري أبويهم حين بدت لهما سوءاتهما ، ثمّ بتحذيرهم من كيد الشّيطان وفتنته بقوله : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) [الأعراف : ٢٧] ثمّ بأن أمرهم بأخذ اللّباس وهو زينة الإنسان عند مواقع العبادة لله تعالى بقوله : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١] ، ثمّ بأن أخذ عليهم العهد بأن يصدّقوا الرّسل وينتفعوا بهديهم بقوله : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأعراف : ٣٥] الآية ، واستطرد بين ذلك كلّه بمواعظ تنفع الذين قصدوا من هذا القصص ، وهم المشركون المكذّبون