ومتحصّل منه لحاضري محمّد صلىاللهعليهوسلم أنّ هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه» يريد أنّ الله أبلغ النّاس هذا الخطاب على لسان كلّ نبيء ، من آدم إلى هلم جرّا ، فما من نبيء أو رسول إلّا وبلّغه أمّته ، وأمرهم بأن يبلغ الشّاهد منهم الغائب ، حتّى نزل في القرآن على محمّدصلىاللهعليهوسلم فعلمت أمّته أنّها مشمولة في عموم بني آدم.
وإذا كان ذلك متعيّنا في هذه الآية أو كالمتعيّن تعيّن اعتبار مثله في نظائرها الثّلاث الماضية ، فشد به يدك. ولا تعبأ بمن حردك.
فأما إذا جعل الخطاب في هذه الآية موجّها إلى المشركين في زمن النّزول ، بعنوان كونهم من بني آدم ، فهنالك يتعيّن صرف معنى الشّرط إلى ما يأتي من الزّمان بعد نزول الآية لأنّ الشّرط يقتضي الاستقبال غالبا. كأنّه قيل إن فاتكم اتّباع ما أنزل إليكم فيما مضى لا يفتكم فيما بقي ، ويتعيّن تأويل يأتينّكم بمعنى يدعونّكم ، ويتعيّن جعل جمع الرّسل على إرادة رسول واحد ، تعظيما له ، كما في قوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) [الفرقان : ٣٧] أي كذّبوا رسوله نوحا ، وقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٠٥] وله نظائر كثيرة في القرآن.
وهذه الآية ، والتي بعدها متّصلتا المعنى بمضمون قوله تعالى في أوّل السّورة : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٤] الآية اتّصال التّفصيل بإجماله.
أكد به تحذيرهم من كيد الشّيطان وفتونه ، وأراهم به مناهج الرّشد التي تعين على تجنّب كيده ، بدعوة الرّسل إياهم إلى التّقوى والإصلاح ، كما أشار إليه بقوله ، في الخطاب السّابق : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٧] وأنبأهم بأنّ الشّيطان توعّد نوع الإنسان فيما حكى الله في قوله : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] الآية فلذلك حذّر الله بني آدم من كيد الشّيطان ، وأشعرهم بقوّة الشّيطان بقوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف : ٢٧] عسى أن يتّخذوا العدّة للنّجاة من مخالب فتنته ، وأردف ذلك بالتّحذير من حزبه ودعاته الذين يفتنون المؤمنين ، ثمّ عزّز ذلك بإعلامه إياهم أنّه أعانهم على الاحتراز من الشّيطان ، بأن يبعث إليهم قوما من حزب الله يبلّغونهم عن الله ما فيه منجاة لهم من كيد الشّياطين ، بقوله : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الآية فأوصاهم بتصديقهم والامتثال لهم.
و (إِمَّا) مركّبة من (إن) الشّرطيّة و (ما) الزائدة المؤكّدة لمعنى الشّرطية ، واصطلح