في محلّ الفاعل بقليلا فهي حال سببيّة.
وفي التّعقيب بهذه الآية لآية : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٤] إيماء إلى أنّ إهمال شكر النّعمة يعرّض صاحبها لزوالها ، وهو ما دلّ عليه قوله : (أَهْلَكْناها).
[١١ ـ ١٣] (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣))
عطف على جملة : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٠] تذكيرا بنعمة إيجاد النّوع ، وهي نعمة عناية ، لأنّ الوجود أشرف من العدم ، بقطع النّظر عما قد يعرض للموجود من الأكدار والمتاعب ، وبنعمة تفضيله على النّوع بأن أمر الملائكة بالسّجود لأصله ، وأدمج في هذا الامتنان تنبيه وإيقاظ إلى عداوة الشّيطان لنوع الإنسان من القدم ، ليكون ذلك تمهيدا للتّحذير من وسوسته وتضليله ، وإغراء بالإقلاع عمّا أوقع فيه النّاس من الشّرك والضّلالة ، وهو غرض السورة ، وذلك عند قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٧] وما تلاه من الآيات ، فلذلك كان هذا بمنزلة الاستدلال وسّط في خلال الموعظة.
والخطاب للنّاس كلّهم ، والمقصود منه المشركون ، لأنّهم الغرض في هذه السورة.
وتأكيد الخبر باللّام و (قد) للوجه الذي تقدّم في قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) ، وتعدية فعلي الخلق والتّصوير إلى ضمير المخاطبين ، لما كان على معنى خلق النّوع الذي هم من أفراد تعيّن أن يكون المعنى : خلقنا أصلكم ثمّ صوّرناه ، وهو آدم ، كما أفصح عنه قوله: (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ).
والخلق الإيجاد وإبراز الشّيء إلى الوجود ، وهذا الإطلاق هو المراد منه عند إسناده إلى الله تعالى أو وصف الله به.
والتّصوير جعل الشّيء صورة ، والصّورة الشّكل الذي يشكّل به الجسم كما يشكّل الطين بصورة نوع من الأنواع.
وعطفت جملة (صَوَّرْناكُمْ) بحرف (ثمّ) الدّالة على تراخي رتبة التّصوير عن رتبة