توهم أن سيقع شيء مخيف كأن يقولوا للناس : خذوا حذركم وحاذروا ، ولا تقتربوا ، وسيقع شيء عظيم ، وسيحضر كبير السحرة ، ونحو ذلك من التمويهات ، والخزعبلات ، والصياح ، والتعجيب.
ولك أن تجعل السين والتاء في (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) للتأكيد ، أي : أرهبوهم رهبا شديدا ، كما يقال استكبر واستجاب.
وقد بينت في تفسير قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) من سورة البقرة [١٠٢] أن مبنى السحر على التخييل والتخويف.
ووصف السحر بالعظيم لأنه من أعظم ما يفعله السحرة إذ كان مجموعا مما تفرق بين سحرة المملكة من الخصائص المستورة بالتوهيم الخفية أسبابها عن العامة.
[١١٧ ـ ١١٩] (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩))
جملة : (وَأَوْحَيْنا) معطوفة على جمل (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ، وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف : ١١٦] ، فهي في حيز جواب لمّا ، أي : لمّا ألقوا سحروا ، وأوحينا إلى موسى أن الق لهم عصاك.
و (أَنْ) تفسيرية لفعل (أَوْحَيْنا) ، والفاء للتعقيب الدال على سرعة مفاجأة شروعها في التلقف بمجرد إلقائها ، وقد دل السياق على جملتين محذوفتين ، إذ التقدير : فألقاها فدبّت فيها الحياة وانقلبت ثعبانا فإذا هي تلقف ، دل على الجملة الأولى الأمر بالإلقاء ، وعلى الجملة الثانية التلقف لأنه من شأن الحيوان ، والعصا إذا دبت فيها الحياة صارت ثعبانا بدون تبديل شكل.
والتلقف : مبالغة في اللقف وهو الابتلاع والازدراد.
و (ما) موصولة والعائد محذوف أي : ما يأفكونه. والإفك : الصرف عن الشيء ويسمى الزور إفكا ، والكذب المصنوع إفكا ، لأن فيه صرفا عن الحق وإخفاء للواقع ، فلا يسمى إفكا إلّا الكذب المصطنع المموه ، وإنما جعل السحر إفكا لأن ما يظهر منه مخالف للواقع فشبه بالخبر الكاذب.
وقرأ الجمهور (تَلْقَفُ) ـ بقاف مشددة ـ ، وأصله تتلقف ، أي تبالغ وتتكلف اللقف