بِقِنْطارٍ) [آل عمران : ٧٥] أي سلطانا عليه ، أي دليلا. وضمير (به) عائد إلى (ما) وهو الرابط للصّلة. فمعنى نفي تنزيل الحجّة على الشّركاء : نفي الحجّة الدّالة على إثبات صفة الشّركة مع الله في الإلهيّة ، فهو من تعليق الحكم بالذّات والمراد وصفها ، مثل حرّمت عليكم الميتة أي أكلها. وهذه الصّلة مؤذنة بتخطئة المشركين ، ونفي معذرتهم في الإشراك ، بأنّه لا دليل يشتبه على النّاس في عدم استحقاق الأصنام العبادة ، فعرّف الشّركاء المزعومين تعريفا لطريق الرسم بأنّ خاصّتهم : أنّ لا سلطان على شركتهم لله في الإلهية ، فكلّ صنم من أصنامهم واضحة فيه هذه الخاصّة ، فإنّ الموصول وصلته من طرق التّعريف ، وليس ذلك كالوصف ، وليس للموصول وصلته مفهوم مخالفة ، ولا الموصولات معدودة في صيغ المفاهيم ، فلا يتّجه ما أورده الفخر من أن يقول قائل : هذا يوهم أن من بين الشّرك ما أنزل الله به سلطانا واحتياجه إلى دفع هذا الإيهام ، ولا ما قفاه عليه صاحب «الانتصاف» من تنظير نفي السّلطان في هذه الآية بنحو قول امرئ القيس :
على لاحب لا يهتدى بمناره
ولا يتّجه ما نحاه صاحب «الكشاف» من إجراء هذه الصّلة على طريقة التّهكّم.
وقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) تقدّم نظيره آنفا عند قوله تعالى ، في هذه السّورة : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٢٨].
وقد جمعت هذه الآية أصول أحوال أهل الجاهليّة فيما تلبسوا به من الفواحش والآثام ، وهم يزعمون أنّهم يتورّعون عن الطّواف في الثّياب ، وعن أكل بعض الطّيّبات في الحجّ. وهذا من ناحية قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ٢١٧].
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))
اعتراض بين جملة : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) [الأعراف : ٣١] وبين جملة : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأعراف : ٣٥] لمّا نعى الله على المشركين ضلالهم وتمرّدهم. بعد أن دعاهم إلى الإيمان ، وإعراضهم عنه ، بالمجادلة والتّوبيخ وإظهار نقائصهم بالحجّة البيّنة ، وكان حالهم حال من لا يقلع عمّا هم فيه ، أعقب ذلك بإنذارهم ووعيدهم إقامة للحجّة عليهم وإعذارا لهم قبل حلول العذاب بهم.