ومفعول : (فَانْتَظِرُوا) محذوف دلّ عليه قوله : (رِجْسٌ وَغَضَبٌ) أي فانتظروا عقابا.
وقوله : (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) استيناف بياني لأنّ تهديده إياهم يثير سؤالا في نفوسهم أن يقولوا : إذا كنّا ننتظر العذاب فما ذا يكون حالك ، فبيّن أنّه ينتظر معهم ، وهذا مقام أدب مع الله تعالى كقوله تعالى تلقينا لرسوله محمّد صلىاللهعليهوسلم : «وما أدري ما يفعل بي ولا بكم» فهود يخاف أن يشمله العذاب النّازل بقومه وذلك جائز كما في الحديث : أنّ أمّ سلمة قالت : «أنهلك وفينا الصّالحون» قال : «نعم إذا كثر الخبث». وفي الحديث الآخر : «ثمّ يحشرون على نيّاتهم» ويجوز أن ينزّل بهم العذاب ويراه هود ولكنّه لا يصيبه ، وقد روي ذلك في قصّته ويجوز أن يبعده الله وقد روي أيضا في قصته بأن يأمره بمبارحة ديار قومه قبل نزول العذاب :
(فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢))
الفاء للتّعقيب : أي فعجّل الله استيصال عاد ونجّى هودا والذين معه أي المؤمنين من قومه ، فالمعقّب به هو قطع دابر عاد ، وكان مقتضى الظّاهر أن يكون النّظم هكذا : فقطعنا دابر الذين كذّبوا ـ إلخ ـ ونجينا هودا إلخ ، ولكن جرى النّظم على خلاف مقتضى الظّاهر للاهتمام بتعجيل الإخبار بنجاة هود ومن آمن معه ، على نحو ما قرّرته في قوله تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأعراف : ٦٤] في قصّة نوح المتقدّمة ، وكذلك القول في تعريف الموصوليّة في قوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ). والّذين معه هم من آمن به من قومه ، فالمعيّة هي المصاحبة في الدّين ، وهي معيّة مجازيّة ، قيل إنّ الله تعالى أمر هودا ومن معه بالهجرة إلى مكّة قبل أن يحلّ العذاب بعاد ، وإنّه توفي هنالك ودفن في الحجر ولا أحسب هذا ثابتا لأنّ مكّة إنّما بناها إبراهيم وظاهر القرآن في سورة هود أنّ بين عاد وإبراهيم زمنا طويلا لأنّه حكى عن شعيب قوله لقومه : (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود : ٨٩] فهو ظاهر في أنّ عادا وثمودا كانوا بعيدين من زمن شعيب وأنّ قوم لوط غير بعيدين ، والبعد مراد به بعد الزّمان ، لأنّ أمكنة الجميع متقاربة ، وكان لوط في زمن إبراهيم فالأولى أن لا نعين كيفية إنجاء هود ومن معه. والأظهر أنّها بالأمر بالهجرة إلى مكان بعيد عن العذاب ، وروي عن عليّ أنّ قبر هود بحضر موت وهذا أقرب.