للعادة تحدّى بها الرّسول المرسل بتلك الأقوال أمّته ، فهذا معنى تسميتها آيات ، ومعنى إضافتها إلى الله تعالى ، ويجوز أن يكون المراد بالآيات ما يشمل المعجزات غير القولية ، مثل نبع الماء من بين أصابع محمّد صلىاللهعليهوسلم ومثل قلب العصا حيّة لموسى عليهالسلام. وإبراء الأكمه لعيسى عليهالسلام ، ومعنى التّكذيب بها العناد بإنكارها وجحدها.
وجملة : (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ) جواب الشّرط وبينها وبين جملة : (إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) محذوف تقديره : فاتقى منكم فريق وكذب فريق (فَمَنِ اتَّقى) إلخ ، وهذه الجملة شرطيّة أيضا ، وجوابها (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ، أي فمن اتّبع رسلي فاتّقاني وأصلح نفسه وعمله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ولمّا كان إتيان الرّسل فائدته لإصلاح النّاس ، لا لنفع الرّسل ، عدل عن جعل الجواب اتّباع الرّسل إلى جعله التّقوى والصّلاح. إيماء إلى حكمة إرسال الرّسل ، وتحريضا على اتّباعهم بأن فائدته للأمم لا للرّسل ، كما قال شعيب : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود : ٨٨] ، أي لا خوف عليهم من عقوبة الله في الدّنيا والآخرة ولا هم يحزنون من شيء من ذلك ، فالخوف والحزن المنفيان هما ما يوجبه العقاب ، وقد ينتفي عنهم الخوف والحزن مطلقا بمقدار قوّة التّقوى والصّلاح ، وهذا من الأسرار التي بين الله وعباده الصّالحين ، ومثله قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس : ٦٢ ـ ٦٤].
وقد نفي الخوف نفي الجنس بلا النّافية له ، وجيء باسمها مرفوعا لأنّ الرّفع يساوي البناء على الفتح في مثل هذا ، لأنّ الخوف من الأجناس المعنوية التي لا يتوهّم في نفيها أن يكون المراد نفي الفرد الواحد ، ولو فتح مثله لصحّ ، ومنه قول الرّابعة من نساء حديث أمّ زرع : «زوجي كليل تهامه ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سئامة» فقد روي بالرّفع وبالفتح.
و (على) في قوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) للاستعلاء المجازي ، وهو المقارنة والملازمة ، أي لا خوف ينالهم.
وقوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) جملة عطفت على جملة : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ، وعدل عن عطف المفرد ، بأن يقال ولا حزن ، إلى الجملة : ليتأتى بذلك بناء المسند الفعلي على ضميرهم ، فيدلّ على أنّ الحزن واقع بغيرهم ، وهم الذين كفروا. فإنّ بناء الخبر الفعلي على المسند إليه المتقدّم عليه يفيد تخصيص المسند إليه بذلك الخبر ، نحو : ما أنا قلت