فلذلك فصلت ، أي لا تهتموا بإلحادهم ولا تحزنوا له ، لأن الله سيجزيهم بسوء صنيعهم ، وسمي إلحادهم عملا ؛ لأنه من أعمال قلوبهم وألسنتهم.
و (ما) موصولة عامة أي سيجزون بجميع ما يعملونه من الكفر ، ومن جملة ذلك إلحادهم في أسمائه.
والسين للاستقبال ، وهي تفيد تأكيد.
وقيل : (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) دون ما عملوا أو ما يعملون للدلالة على أن ذلك العمل سنة لهم ومتجدد منهم.
[١٨١ ـ ١٨٣] (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣))
عطف على جملة : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] الآية ، والمقصود : التنويه بالمسلمين في هديهم واهتدائهم ، وذلك مقابلة لحال المشركين في ضلالهم ، أي عرّض عن المشركين ، فإن الله أغناك عنهم بالمسلمين ، فما صدق «الأمة» هم المسلمون بقرينة السياق كما في قول لبيد :
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يعتلق بعض النفوس حمامها |
يريد نفسه فإنها بعض النفوس. روى الطبري عن قتادة قال بلغنا أن النبيصلىاللهعليهوسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية : «هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها».
وقوله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وبقية ألفاظ الآية عرف تفسيرها من نظره المتقدمة في هذه السورة.
والذين كذبوا بالآيات هم المشركون الذين كذبوا بالقرآن ، وقد تقدم وجه تعدية فعل التكذيب بالباء ؛ ليدل على معنى الإنكار عند قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) في سورة الأنعام [٥٧].
والاستدراج مشتق من الدّرجة ـ بفتحتين ـ وهي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض بقدر ما ترتفع الرّجل للارتقاء منها إلى ما فوقها تيسيرا للصعود في مثل العلو أو الصومعة أو البرج ، وهي أيضا واحدة الأعواد المصوفة في السلم يرتقى منها إلى التي فوقها ، وتسمى هذه الدرجة مرقاة ، فالسين والتاء في فعل الاستدراج للطلب ، أي طلب منه أن