والسيئات تفصيلا للبلوى ، فالحسنات والسيئات من فعل الله تعالى ، أي بالتي تحسن لفريق الصالحين وبالتي تسوء فريق غيرهم ، توزيعا لحال الضمير المنصوب في قوله : (بَلَوْناهُمْ).
وجملة : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) استئناف بياني أي رجاء أن يتوبوا أي حين يذكرون مدة الحسنات والسيئات ، أو حين يرون حسن حال الصالحين وسوء حال من هم دون ذلك ، على حسب الوجهين المتقدمين. والرجوع هنا الرجوع عن نقض العهد وعن العصيان ، وهو معنى التوبة.
هذا كله جري على تأويل المفسرين الآية في معنى (قَطَّعْناهُمْ).
ويجوز عندي أن يكون قوله : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) ، عودا إلى أخبار المنن عليهم ، فيكون كالبناء على قوله : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف : ١٦٠] ، فيكون تقطيعا محمودا ، والمراد بالأرض : أرض القدس الموعودة لهم أي لكثرناهم فعمروها جميعها ، فيكون ذكر الأرض هنا دون آية (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف : ١٦٠] للدلالة على أنهم عمروها كلها ، ويكون قوله : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) إنصافا لهم بعد ذكر أحوال عدوان جماعاتهم وصم آذانهم عن الموعظة ، وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ) إشارة إلى أن الله عاملهم مرة بالرحمة ومرة بالجزاء على أعمال دهمائهم.
[١٦٩ ، ١٧٠] (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠))
جملة (فَخَلَفَ) تفريع على قوله : (وَقَطَّعْناهُمْ) [الأعراف : ١٦٨] إن كان المراد تقطيعهم في بلاد أعدائهم وإخراجهم من مملكتهم ، فتكون الآية مشيرة إلى عودة بني إسرائيل إلى بلادهم في عهد الملك (كورش) ملك الفرس في حدود سنة ٥٣٠ قبل الميلاد ، فإنه لما فتح بلاد أشور أذن لليهود الذين أسرهم (بختنصر) أن يرجعوا إلى بلادهم فرجعوا ، وبنوا بيت المقدس بعد خرابه على يد (نحميا) و (عزرا) كما تضمنه سفر نحميا وسفر عزرا ، وكان من جملة ما أحيوه أنهم أتوا بسفر شريعة موسى الذي كتبه عزرا وقرءوه على الشعب في (أورشليم) فيكون المراد بالخلف ما أوّله ذلك الفلّ من بني إسرائيل الذين