والرّجفة : اضطراب الأرض وارتجاجها ، فتكون من حوادث سماوية كالرّياح العاصفة والصّواعق ، وتكون من أسباب أرضيّة كالزلازل ، فالرّجفة اسم للحالة الحاصلة ، وقد سمّاها في سورة هود بالصّيحة فعلمنا أنّ الذي أصاب ثمود هو صاعقة أو صواعق متوالية رجفت أرضهم وأهلكتهم صعقين ، ويحتمل أن تقارنها زلازل أرضية.
والدّار : المكان الذي يحتلّه القوم ، وهو يفرد ويجمع باعتبارين ، فلذلك قال في آية سورة هود : (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ). (فَأَصْبَحُوا) هنا بمعنى صاروا.
والجاثم : المكب على صدره في الأرض مع قبض ساقيه كما يجثو الأرنب ، ولمّا كان ذلك أشدّ سكونا وانقطاعا عن اضطراب الأعضاء استعمل في الآية كناية عن همود الجثّة بالموت ، ويجوز أن يكون المراد تشبيه حالة وقوعهم على وجوههم حين صعقوا بحالة الجاثم تفظيعا لهيئة ميتتهم ، والمعنى أنّهم أصبحوا جثثا هامدة ميّتة على أبشع منظر لميّت.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩))
والفاء في قوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) عاطفة على جملة : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) [الأعراف: ٧٧] والتّولي الانصراف عن فراق وغضب ، ويطلق مجازا على عدم الاكتراث بالشّيء ، وهو هنا يحتمل أن يكون حقيقة فيكون المراد به أنّه فارق ديار قومه حين علم أنّ العذاب نازل بهم ، فيكون التّعقيب لقوله : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) [الأعراف : ٧٧] لأن ظاهر تعقيب التّولي عنهم وخطابه إياهم أن لا يكون بعد أن تأخذهم الرّجفة وأصبحوا جاثمين.
ويحتمل أن يكون مجازا بقرينة الخطاب أيضا ، أي فأعرض عن النّظر إلى القرية بعد أصابتها بالصّاعقة ، أو فأعرض عن الحزن عليهم واشتغل بالمؤمنين كما قال تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣].
فعلى الوجه الأول يكون قوله : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) إلخ مستعملا في التّوبيخ لهم والتّسجيل عليهم ، وعلى الوجه الثّاني يكون مستعملا في التحسر أو في التّبري منهم ، فيكون النّداء تحسر فلا يقتضي كون أصحاب الاسم المنادى ممّن يعقل النّداء حينئذ ، مثل ما تنادى الحسرة في : يا حسرة.