ومعنى (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لا تحسبني واحدا منهم ، ف (جعل) بمعنى ظن كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ) عند (الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩]. والقوم الظالمون هم الذين أشركوا بالله عبادة العجل ، ويجوز أن يكون المعنى : ولا تجعلني في العقوبة معهم ، لأن موسى قد أمر بقتل الذين عبدوا العجل ، ف (جعل) على أصلها.
وجملة : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) جواب عن كلام هارون ، فلذلك فصلت. وابتدأ موسى دعاءه فطلب المغفرة لنفسه تأدبا مع الله فيما ظهر عليه من الغضب ، ثم طلب المغفرة لأخيه فيما عسى أن يكون قد ظهر منه من تفريط أو تساهل في ردع عبدة العجل عن ذلك.
وذكر وصف الأخوة هناك زيادة في الاستعطاف عسى الله أن يكرم رسوله بالمغفرة لأخيه كقول نوح : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥].
والإدخال في الرحمة استعارة لشمول الرحمة لهما في سائر أحوالهما ، بحيث يكونان منها ، كالمستقر في بيت أو نحوه مما يحوي ، فالإدخال استعارة أصلية وحرف (في) استعارة تبعية ، أوقع حرفه الظرفية موقع باء الملابسة.
وجملة : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) تذييل ، والواو للحال أو اعتراضية ، و (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأشد رحمة من كل راحم.
[١٥٢ ، ١٥٣] (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣))
يجوز أن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلى قوله : (الدُّنْيا) من تمام كلام موسى ، فبعد أن دعا لأخيه بالمغفرة أخبر أن الله غضب على الذين عبدوا العجل. وأنه سيظهر أثر غضبه عليهم ، وستنالهم ذلة في الدنيا وذلك بوحي تلقاه ، وانتهى كلام موسى عند قوله : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وأن جملة : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) خطاب من جانب الله في القرآن ، فهو اعتراض والواو اعتراضية ذيل الله بهذا الاعتراض حكاية كلام موسى فأخبر بأنه يجازي كل مفتر بمثل ما أخبر به موسى عن مفتري قومه ، وأن جملة : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) إلى آخر الآية تكملة للفائدة ببيان حالة أضداد المتحدث عنهم وعن أمثالهم.