بقرينة إضافته إلى ضمير الجمع.
وأظهر لفظ أجل في قوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) ولم يكتف بضميره لزيادة تقرير الحكم عليه ، ولتكون هذه الجملة مستقلّة بنفسها غير متوقّفة عن سماع غيرها لأنّها بحيث تجري مجرى المثل ، وإرسال الكلام الصّالح لأن يكون مثلا طريق من طرق البلاغة.
و (يَسْتَأْخِرُونَ) : و (يَسْتَقْدِمُونَ) بمعنى : يتأخّرون ويتقدّمون ، فالسّين والتّاء فيهما للتّأكيد مثل استجاب.
والمعنى : إنّهم لا يتجاوزونه بتأخير ولا يتعجّلونه بتقديم. والمقصود أنّهم لا يؤخّرون عنه ، فعطف (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) لبيان أن ما علمه الله وقدّره على وفق علمه لا يقدر أحد على تغييره وصرفه ، فكان قوله : (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) لا تعلّق له بغرض التّهديد. وقريب من هذا قول أبي الشيص :
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي |
|
متأخّر عنه ولا متقدّم |
وكلّ ذلك مبني على تمثيل حالة الذي لا يستطيع التّخلّص من وعيد أو نحوه بهيئة من احتبس بمكان لا يستطيع تجاوزه إلى الأمام ولا إلى الوراء.
[٣٥ ، ٣٦] (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦))
يجيء في موقع هذه الجملة : من التّأويل ، ما تقدّم في القول في نظيرتها وهي قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦].
والتّأويل الذي استظهرنا به هنالك يبدو في هذه النظيرة الرّابعة أوضح. وصيغة الجمع في قوله : (رُسُلٌ) ـ وقوله ـ (يَقُصُّونَ) تقتضي توقّع مجيء عدّة رسل ، وذلك منتف بعد بعثة الرّسول الخاتم للرّسل الحاشر العاقب عليه الصّلاة والسّلام ، فذلك يتأكّد أن يكون هذا الخطاب لبني آدم الحاضرين وقت نزول القرآن ، ويرجح أن تكون هذه النّداءات الأربعة حكاية لقول موجّه إلى بني آدم الأوّلين الذي أوّله : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) [الأعراف : ٢٥].
قال ابن عطيّة : «وكأنّ هذا خطاب لجميع الأمم ، قديمها وحديثها ، هو متمكّن لهم ،