ويجوز أن تكون جملة : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلى آخرها خطابا من الله لموسى ، جوابا عن دعائه لأخيه بالمغفرة بتقدير فعل قول محذوف : أي قلنا إن الذين اتخذوا العجل إلى آخره ، مثل ما حكى الله تعالى عن إبراهيم في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) [البقرة : ١٢٦] الآية.
و (سَيَنالُهُمْ) يصيبهم.
والنول والنّيل : الأخذ وهو هنا استعارة للإصابة والتلبس كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) في هذه السورة [٣٧] ، والذين اتخذوا العجل هم الذين عبدوه فالمفعول الثاني ل (اتَّخَذُوا) محذوف اختصارا ، أي اتخذوه إلها.
وتعريفهم بطريق الموصولية ، لأنها أخصر طريق في استحضارهم بصفة عرفوا بها ، ولأنه يؤذن بسببية ما نالهم من العقاب ، والمراد بالغضب ظهور أثره من الخذلان ومنع العناية ، وأما نفس الغضب فهو حاصل في الحال.
وغضب الله تعالى إرادته السوء بعبده وعقابه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما.
والذلة : خضوع في النفس واستكانة من جرّاء العجز عن الدفع ، فمعنى : نيل الذلّة إياهم أنهم يصيرون مغلوبين لمن يغلبهم ، فقد يكون ذلك بتسليط العدو عليهم ، أو بسلب الشجاعة من نفوسهم. بحيث يكونون خائفين العدو ، ولو لم يسلّط عليهم ، أو ذلّة الاغتراب إذ حرمهم الله ملك الأرض المقدسة فكانوا بلا وطن طول حياتهم حتى انقرض ذلك الجيل كله ، وهذه الذلّة عقوبة دنيوية قد لا تمحوها التوبة ، فإن التوبة إنما تقتضي العفو عن عقاب التكليف ، ولا تقتضي ترك المؤاخذة بمصائب الدنيا ، لأن العقوبات الدنيوية مسببات تنشأ عن أسبابها ، فلا يلزم أن ترفعها التوبة إلا بعناية إلهية خاصة ، وهذا يشبه التفرقة بين خطاب الوضع وخطاب التكليف كما يؤخذ من حديث الإسراء لما أتي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بإناءين أحدهما من لبن والآخر من خمر ، فاختار اللبن ، فقال جبريل : الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر لغوت أمتك ، هذا وقد يمحو الله العقوبة الدنيوية إذا رضي عن الجاني والله ذو فضل عظيم.
والقول في الإشارة من قوله : (وَكَذلِكَ) تقدم في قوله (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣] ، أي ومثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المفترين.