والمعنيان محتملان هنا على قراءة نافع ومن وافقه ، وأما على قراءة غيرهم فيتعين المعنى الثاني.
وعطف جملة : (إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) على ما تضمنه حرف الجواب إذ التقدير : نعم لكم أجر وإنكم لمن المقربين ، وليس هو من عطف التلقين : لأن التلقين إنما يعتبر في كلامين من متكلمين لا من متكلم واحد.
وفصلت جملة : (قالُوا يا مُوسى) لوقوعها في طريقة المحاورة بينهم وبين فرعون وموسى ، لأن هؤلاء هم أهل الكلام في ذلك المجمع.
و (إِمَّا) حرف يدل على الترديد بين أحد شيئين أو أشياء ، ولا عمل له ولا هو معمول ، وما بعده يكون معمولا للعامل الذي في الكلام. ويكون (إما) بمنزلة جزء كلمة مثل أل المعرفة ، كقول تأبط شرا :
هما خطّتا إما إسار ومنّة |
|
وإمّا دم والموت بالحر أجدر |
وقوله : (أَنْ تُلْقِيَ) وقوله : (أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) يجوز كونهما في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف ، أي إما إلقاؤك مقدم وإما كوننا ملقين مقدم ، وقد دل على الخبر المقام لأنهم جاءوا لإلقاء آلات سحرهم ، وزعموا أن موسى مثلهم. وفي «الكشاف» في سورة طه ، جعل (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا ، ولما كان الواقع لا يخلو عن أحد هذين الأمرين لم يكن المقصود بالخبر الفائدة لأنها ضرورية ، فلا يحسن الإخبار بها مثل : السماء فوقنا ، فتعين أن يكون الكلام مستعملا في معنى غير الإخبار ، وذلك هو التخيير أي : إما أن تبتدئ بإلقاء آلات سحرك وإما أن نبتدئ ، فاختير أنت أحد أمرين ومن هنا جاز جعل المصدرين المنسبكين في محل نصب بفعل تخيير محذوف ، كما قدره الفراء وجوزه في «الكشاف» في سورة طه ، أي : اختر أن تلقي أو كوننا الملقين ، أي : في الأولية ، ابتدأ السحرة موسى بالتخيير في التقدم إظهارا لثقتهم بمقدرتهم وإنهم الغالبون ، سواء ابتدأ السحرة موسى بالأعمال أم كانوا هم المبتدئين ، ووجه دلالة التخيير على ذلك أن التقدم في التخييلات والشعوذة أنجح للبادئ لأن بديهتها تمضي في النفوس وتستقر فيها ، فتكون النفوس أشد تأثرا بها من تأثرها بما يأتي بعدها ، ولعلهم مع ذلك أرادوا أن يسبروا مقدار ثقة موسى بمعرفته مما يبدو منه من استواء الأمرين عنده أو من الحرص على أن يكون هو المقدم ، فإن لاستضعاف النفس تأثيرا عظيما في استرهابها وإبطال حيلتها ، وقد جاءوا في جانبهم بكلام يسترهب موسى ويهول