لَفاسِقِينَ).
ومعنى قولهن : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) مثل ذلك الطبع العجيب المستفاد من حكاية استمرارهم على الكفر ، والمؤذن به فعل (يَطْبَعُ) ، وقد تقدم نظائره غير مرة ، منها عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
وتقدم معنى الطبع عند قوله تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) في سورة النساء [١٥٥].
وإظهار المسند إليه في جملة (يَطْبَعُ اللهُ) دون الإضمار : لما في إسناد الطبع إلى الاسم العلم من صراحة التنبيه على أنه طبع رهيب لا يغادر للهدى منفذا إلى قلوبهم كقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ) [لقمان : ١١] دون أن يقول : هذا خلقي ، ولهذا اختير له الفعل المضارع الدال على استمرار الختم وتجدده.
والقلوب : العقول ، والقلب ، في لسان العرب : من أسماء العقل ، وتقدم عند قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) في سورة البقرة [٧].
والتعريف في (الْكافِرِينَ) تعريف الجنس ، مفيد للاستغراق ، أي : جميع الكافرين ممن ذكر وغيرهم.
وفي قوله : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) إلى آخر الآية ، تسلية لمحمد صلىاللهعليهوسلم بأن ما لقيه من قومه هو سنّة الرسل السابقين ، وأن ذلك ليس لتقصير منه ، ولا لضعف آياته ، ولكنه للختم على قلوب كثير من قومه.
وعطفت جملة : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) على جملة : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) وما رتب عليها من قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) تنبيها على رسوخ الكفر من نفوسهم بحيث لم يقلعه منهم لا ما شاهدوه من البينات ، ولا ما وضعه الله في فطرة الإنسان من اعتقاد وجود إله واحد وتصديق الرسل الداعين إليه ، ولا الوفاء بما عاهدوا عليه الرسل عند الدعوة : إنهم إن أتوهم بالبينات يؤمنون بها.
والوجدان في الموضعين مجاز في العلم ، فصار من أفعال القلوب ، ونفيه في الأول كناية عن انتفاء العهد بالمعنى المقصود ، أي وفائه ، لأنه لو كان موجودا لعلمه من شأنه أن يعلمه ويبحث عنه عند طلب الوفاء به ، لا سيما والمتكلم هو الذي لا تخفى عليه خافية كقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [الأنعام : ١٤٥] الآية ، أي لا محرم إلّا ما ذكر ،