على الصدق وقد تقدمت عند قوله تعالى : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) في قصة ثمود في هذه السورة [٧٣].
(والفاء) في قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) لترتيب الإخبار بانتفاء إيمانهم عن الإخبار بمجيء الرسل إليهم بما من شأنه أن يحملهم على الإيمان.
وصيغة (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) تفيد مبالغة النفي بلام الجحود الدالة على أن حصول الإيمان كان منافيا لحالهم من التصلب في الكفر. وقد تقدم وجه دلالة لام الجحود على مبالغة النفي عند قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) الآية في سورة آل عمران [٧٩]. والمعنى : فاستمر عدم إيمانهم وتمكّن منهم الكفر في حين كان الشأن أن يقلعوا عنه.
و (بِما كَذَّبُوا) موصول وصلته وحذف العائد المجرور على طريقة حذف أمثاله إذا جر الموصول بمثل الحرف المحذوف ، ولا يشترط اتحاد متعلقي الحرفين على ما ذهب إليه المحققون منهم الرضي كما في هذه الآية.
وما صدق (ما) الموصولة : ما يدل عليه (كَذَّبُوا) ، أي : فما كانوا ليؤمنوا بشيء كذبوا به من قبل مما دعوا إلى الإيمان به من التوحيد والبعث. وشأن (ما) الموصولة أن يراد بها غير العاقل ، فلا يكون ما صدق (ما) هنا الرسل ، بل ما جاءت به الرسل ، فلذلك كان فعل (كَذَّبُوا) هنا مقدرا متعلّقه لفظ (به) كما هو الفرق بين كذّبه وكذّب به ، قال تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ) [الأعراف : ٦٤] وقال : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) [الأنعام : ٦٦] وحذف المتعلق هنا إيجازا ، لأنه قد سبق ذكر تكذيب أهل القرى ، ابتداء من قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ) نبيء (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف : ٩٤] وقد سبق في ذلك قوله : (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف : ٩٦] ولهذا لم يحذف متعلق فعل (كَذَّبُوا) في نظير هذه الآية من سورة يونس.
والمعنى : ما أفادتهم البينات أن يؤمنوا بشيء كان بدر منهم التكذيب به في ابتداء الدعوة ، فالمضاف المحذوف الذي دل عليه بناء (قَبْلُ) على الضم تقديره : من قبل مجيء البينات.
وأسند نفي الإيمان إلى ضمير جميع أهل القرى باعتبار الغالب ، وهو استعمال كثير ، وسيخرج المؤمنون منهم بقوله : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ