في سورة آل عمران [٧٩].
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) تأدب مع الله وتفويض أمره وأمر المؤمنين إليه ، أي: إلّا أن يقدّر الله لنا العود في ملّتكم فإنّه لا يسأل عمّا يفعل ، فأما عود المؤمنين إلى الكفر فممكن في العقل حصوله وليس في الشرع استحالته ، والارتداد وقع في طوائف من أمم.
وأمّا ارتداد شعيب بعد النبوءة فهو مستحيل شرعا لعصمة الله للأنبياء ، فلو شاء الله سلب العصمة عن أحد منهم لما ترتّب عليه محال عقلا ، ولكنه غير ممكن شرعا ، وقد علمت آنفا عصمة الأنبياء من الشرك قبل النبوءة فعصمتهم منه بعد النبوءة بالأولى ، قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] على أحد التأويلين.
وفي قول شعيب : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) تقييد عدم العود إلى الكفر بمشيئة الله ، وهو يستلزم تقييد الدوام على الإيمان بمشيئة الله ، لأن عدم العود إلى الكفر مساو للثبات على الإيمان ، وهو تقييد مقصود منه التأدب وتفويض العلم بالمستقبل إلى الله ، والكناية عن سؤال الدوام على الإيمان من الله تعالى كقوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) [آل عمران : ٨].
ومن هنا يستدل لقول الأشعري وجماعة على رأسهم محمد بن عبدوس الفقيه المالكي الجليل أن المسلم يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، لأنّه لا يعلم ما يختم له به ، ويضعف قول الماتريدي وطائفة من علماء القيروان على رأسهم محمد بن سحنون أن المسلم لا يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، لأنّه متحقق أنه مؤمن فلا يقول كلمة تنبئ عن الشك في إيمانه.
وقد تطاير شرر الخلاف بين ابن عبدوس وأصحابه من جهة ، وابن سحنون وأصحابه من جهة ، في القيروان زمانا طويلا ورمى كل فريق الفريق الآخر بما لا يليق بهما ، وكان أصحاب ابن سحنون يدعون ابن عبدوس وأصحابه الشكوكية وتلقفت العامة بالقيروان هذا الخلاف على غير فهم فربما اجترءوا على ابن عبدوس وأصحابه اجتراء وافتراء ، كما ذكره مفصلا عياض في «المدارك» في ترجمة محمد بن سحنون ، وترجمة ابن النبّان ، والذي حقّقه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد وعياض أن الخلاف لفظي : فإن كان يقول : إن شاء الله ، وسريرته في الإيمان مثل علانيته فلا بأس بذلك ، وإن كان شكا فهو شك في الإيمان ، وليس ذلك ما يريده ابن عبدوس ، وقد قال المحققون : أن الخلاف بين الأشعري والماتريدي في هذه المسألة من الخلاف اللفظي ، كما حقّقه تاج الدين السبكي في