«منظومته النونية» ، وتبعه تلميذه نور الدين الشيرازي في «شرحه». ومما يجب التنبيه له أن الخلاف في المسألة إنما هو مفروض في صحّة قول المؤمن : أنا مؤمن إن شاء الله ، وأن قوله ذلك هل ينبئ عن شكه في إيمانه ، وليس الخلاف في أنّه يجب عليه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله ، عند القائلين بذلك ، بدليل أنهم كثيرا ما يقابلون قول القائلين بالمشيئة بقول الآخرين : أنا مؤمن عند الله ، فرجعت المسألة إلى اختلاف النظر في حالة عقد القلب مع ما هو في علم الله من خاتمته ، وبذلك سهل إرجاع الخلاف إلى الخلاف اللفظي.
والإتيان بوصف الرب وإضافته إلى ضمير المتكلم المشارك : إظهار لحضرة الإطلاق ، وتعريض بأن الله مولى الذين آمنوا.
والخلاف بيننا وبين المعتزلة في جواز مشيئة الله تعالى الكفر والمعاصي خلاف ناشئ عن الخلاف في تحقيق معنى المشيئة والإرادة ، ولكلا الفريقين اصطلاح في ذلك يخالف اصطلاح الآخر ، والمسألة طفيفة وإن هوّلها الفريقان ، واصطلاحنا أسعد بالشريعة وأقرب إلى اللغة ، والمسألة كلها من فروع مسألة التكليف وقدرة المكلف.
وقوله : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) تفويض لعلم الله ، أي إلّا أن يشاء ذلك فهو أعلم بمراده منا ، وإعادة وصف الربوبية إظهار في مقام الإضمار لزيادة إظهار وصفه بالربوبية ، وتأكيد التعريض المتقدم ، حتى يصير كالتصريح.
وانتصب (عِلْماً) على التمييز المحول عن الفاعل لقصد الإجمال ثم التفصيل للاهتمام.
وانتصب (كُلَّ شَيْءٍ) على المفعول به ل (وَسِعَ) ، أي : وسع علم ربنا كل شيء.
والسعة : مستعملة مجازا في الإحاطة بكل شيء لأن الشيء الواسع يكون أكثر إحاطة.
وفي هذه المجادلة إدماج تعليم بعض صفات الله لأتباعه وغيرهم على عادة الخطباء في انتهاز الفرصة.
ثم أخبر بأنه ومن تبعه قد توكلوا على الله ، والتوكل : تفويض مباشرة صلاح المرء إلى غيره ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في آل عمران [١٥٩] ، وهذا تفويض يقتضي طلب الخير ، أي : رجونا أن لا يسلبنا الإيمان الحق ولا يفسد خلق عقولنا وقلوبنا فلا نفتن ونضل ، ورجونا أن يكفينا شر من يضمر لنا شرا وذلك