والعتوّ تجاوز الحد في الكبر ، وتعديته ب (من) لتضمينه معنى الإعراض.
وأمر ربّهم هو ما أمرهم به على لسان صالح عليهالسلام من قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) [الأعراف : ٧٣] فعبّر عن النّهي بالأمر لأنّ النّهي عن الشّيء مقصود منه الأمر بفعل ضدّه ، ولذلك يقول علماء الأصول إنّ النّهي عن الشّيء يستلزم الأمر بضدّه الذي يحصل به تحقّق الكفّ عن المنهي عنه.
وأرادوا : (بِما تَعِدُنا) العذاب الذي توعّدهم به مجملا. وجيء بالموصول للدّلالة على أنّهم لا يخشون شيئا ممّا يريده من الوعيد المجمل. فالمراد بما تتوعدنا به وصيغت صلة الموصول من مادة الوعد لأنه أخف من مادة الوعد.
وقد فرضوا كونه من المرسلين بحرف (إن) الدّال على الشكّ في حصول الشّرط ، أي إن كنت من الرّسل عن الله فالمراد بالمرسلين من صدق عليهم هذا اللّقب. وهؤلاء لجهلهم بحقيقة تصرّف الله تعالى وحكمته ، يحسبون أنّ تصرّفات الله كتصرّفات الخلق ، فإذا أرسل رسولا ولم يصدّقه المرسل إليهم غضب الله واندفع إلى إنزال العقاب إليهم ، ولا يعلمون أنّ الله يمهل الظّالمين ثمّ يأخذهم متى شاء.
وجملة (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) معترضة بين جملة (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) وبين جملة (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) [الأعراف : ٧٩] أريد باعتراضها التّعجيل بالخبر عن نفاذ الوعيد فيهم بعقب عتوّهم ، فالتّعقيب عرفي ، أي لم يكن بين العقر وبين الرجفة زمن طويل ، كان بينهما ثلاثة أيّام ، كما ورد في آية سورة هود [٦٥] : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
وأصل الأخذ تناول شيء باليد ، ويستعمل مجازا في ملك الشيء ، بعلاقة اللّزوم ، ويستعمل أيضا في القهر كقوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) [الأنفال : ٥٢] ، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠] وأخذ الرّجفة : إهلاكها إياهم وإحاطتها بهم إحاطة الآخذ. ولا شكّ أنّ الله نجّى صالحا عليهالسلام والذين آمنوا معه ، كما في آية سورة هود. وقد روي أنّه خرج في مائة وعشرة من المؤمنين ، فقيل : نزلوا رملة فلسطين ، وقيل : تباعدوا عن ديار قومهم بحيث يرونها ، فلمّا أخذتهم الرّجفة وهلكوا عاد صالح عليهالسلام ومن آمن معه فسكنوا ديارهم ، وقيل : سكنوا مكّة وأنّ صالحا عليهالسلام دفن بها ، وهذا بعيد كما قلناه في عاد ، ومن أهل الأنساب من يقول : إنّ ثقيفا من بقايا ثمود ، أي من ذرّية من نجا منهم من العذاب ، ولم يذكر القرآن أنّ ثمودا انقطع دابرهم فيجوز أن تكون منهم بقية.